البواكير (صفحة 56)

الموقف ويتبادلها المسلمون في كل مكان وفي كل آن، لَبرهانٌ ساطع على تلك الطمأنينة وذلك السلام.

لقد ضحَّتْ أوربا من أبنائها ما ضحَّت في سبيل هذه الأسس الثلاثة: الديمقراطية والمساواة والسلام، ثم لم تصل إليها، وقررها سيد قريش ونَعِمَ بها المسلمون منذ حجة الوداع، منذ ألف وثلاثمئة سنة. فلنقدّس ذلك الصوت وتلك الدعوة، ولنعظّم هذا النبي الجليل، سيد العالم صلى الله عليه وسلم.

* * *

إن الأمم تحتفظ بذكريات يتوارثها الناس، ذكريات تتكاثف في بقعة من البقاع وحادثة من الحوادث، فالقادسية عبقرية سعد، واليرموك خلود خالد، وأوسترلتز عظمة نابليون، وواترلو مجد ولنغْتُن ... ولكن «عَرَفة» هي عظمة البشرية وانتصار الأخوّة والعدل المساواة، ولكن عرفة هي «أمّ الذكريات» وموطن العروبة والإسلام.

لبثت عَرَفة ردحاً من الزمن تشهد حجيج عرب الجزيرة في جاهليتها، على اختلاف مذاهبها ونِحَلها وتباين أديانها ومعبوداتها، يجتمعون في صعيد واحد فيلقى الرجل قاتلَ أبيه ومن يبذل حياته ليلقاه فيُعرض عنه ولا يمسّه بسوء، لأنه الحج ولأنها بقعة مقدَّسة، ولأنه عربي ولأن الوفاء يجري منه موضع الدم.

ثم سطع في بطحائها ذلك النور، ورَنَّ في جوانبها ذلك الصوت الذي بدأ ضعيفاً خافتاً ثم ما زال يقوى ويشتد حتى صار كأنه الرعد، وحتى ارتجَّتْ منه أقطار الأرض وهوت لهوله أعلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015