في عاداته ولباسه وطرق معيشته مثقفاً، وكل مثقف مطّلع على نتائج العقول وآخذ من العلم بأوفر نصيب متحضراً.
الثقافة هي الحجر الأول من بناء الحركة الفكرية والخطوة الأولى في طريق تطورها، ونقص أدواتها ووسائلها في قوم إنما هو ضعفها، فإذا أردنا أن نبحث عن السبب الأول لاضطراب الحركة الفكرية في سوريا فإنا لا نجده إلا في نقص التثقيف. ووسائل التثقيف هي المدارس والصحف، فأما مدارسنا فهي ناقصة، أو هي -بعبارات أخرى- لا تُعنى إلا بالثقافة العملية، وأما الثقافة الأدبية (الفكرية) فهي خلو منها. وأما صحفنا فإنها لا تعنى إلا بالسياسة والأخبار. وإن المثقفين من رجالنا لا يعدو واحدهم أن يكون طبيباً أو محامياً أو مدرّساً أو صحفياً، على أنّ واحداً من هؤلاء لا يستطيع أن ينصرف إلى الأدب فينشئ منه أدباً سورياً يعين سوريا على نهضتها وتقدمها.
(2) فساد التربية
التربية السورية لا تنجب رجالاً، لأنها تربية فاسدة مَبنيّة على القهر والقوة وملقاة على عواتق الجهلاء من الآباء والأمهات، وهي -فوق هذا- تربية اتّكالية، المثل الأعلى للابن فيها أن يكون آلة يصرّفها الأب حسب ميوله وأهوائه! وكثيراً ما رأينا أبناء ضاعت مواهبهم السامية لأن آباءهم صرفوهم عن إتمام التحصيل وعن متابعة الفن الذي يميلون إليه وفيهم الاستعداد الفطري له. هذا في التربية القديمة، وأما التربية الحديثة فهي على العكس، وهي ليست أقل شراً من هذه لأنها تجعل الابن حاكماً على أبيه وأرفع منه منزلة.