البواكير (صفحة 274)

أنكر عليهم أن يحسّوا وأن يتألموا، وأن يصفوا هذا الألم العبقري ويُخرجوا للناس في وصفه الآيات البيّنات، ولكني أسألهم:

أيهيج نفوسَكم ويؤلمكم ويسوّد الدنيا في عيونكم حبيبٌ يُعرِض عنكم، أو ليلة وصال منه تخسرونها، أو ابتسامة يُحجَب عنكم نورها، ولا يؤلمكم أمة في فلسطين تضيع بقَضّها وقَضيضها، يهاجمها في عقر دارها أذلّ شعب وأهونه على الله والتاريخ؟

ألا يؤلمكم أن تُمحى صفحة بيضاء من سجلّ حياة أمتنا على وجه الأرض؟ ألا يحرك شعوركم وعاطفتكم هذا كله يا أدباء العربية؟ فأين هي إذن «القصائد الفلسطينيات»؟ وأين «الروايات الفلسطينيات»؟ أين الأقلام الحرّة المؤمنة التي يتطوّع أصحابها ليكونوا جنوداً في معركة فلسطين: تصف نكبة فلسطين وتحرّك الدنيا لنصرة فلسطين، بل تهزّ قبل ذلك أهل فلسطين وجيران فلسطين ليتداركوا فلسطين قبل أن يأتي يوم يندمون فيه، وليس ينفع في ذلك اليوم الندم؟

إننا نعلم أن الشعراء أرقّ الناس شعوراً وأدقّهم إحساساً، وأن الشعر من الشعور، فعلامَ لا نسمع هذا الشعر؟ أليس هذا كله ثمرة انصرافنا عن الأدب القومي وتقليدنا تقليداً أعور هؤلاء الشعراء الرومانسيين من الفرنسيين وغير الفرنسيين الذين يرون الدنيا كلها في نفوسهم، ويعيشون للهوى والعاطفة؟ في حين أن هذا المذهب قد مات اليوم في وطنه، وأن كثيراً من أولئك الشعراء أنفسهم كانوا في مقدمة المدافعين عن أوطانهم، وكانوا إذا جَدَّ الجِدُّ نبذوا هذه الترّهات جانباً وتقدموا للنضال، حتى إذا انجلى الغبار وأمِنَ الناس استسلموا إلى هذه الأحلام وهم نيام،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015