البواكير (صفحة 189)

لماذا نشقى في الحياة؟ وما هي سبيل السعادة؟ فكرت في هذا طويلاً، ثم علمت أن سبيل السعادة أن لا نذكر ولا نتأمل، فالذكرى والأمل باب الشقاء، وما كان دانتي مخطئاً حين قال: «إن ذكرى اللذات الماضية تؤلمنا». ولكن هل نقدر على ذلك؟ هل أستطيع أن أقف بنفسي عند الحاضر وحده؟ هل أقدر أن أتجرد من الماضي وهو كامن فِيّ؟ هل أطيق أن أغمض عيني عن التفكير في المستقبل وبذورُه مخبوءة في طيّات الحاضر؟ هل نتمكن من اتّباع الشاعر الذي يقول:

ما مضى فات والمؤمَّل غَيْب ... ولك الساعةُ التي أنت فيها

لا، وما النفس البشرية إلا سيّال دائم الحركة، ومَن حاول أن يقف بفكره عند حد واحد فقد حاول أن يصبح بلا فكر. الحياة أخت الشقاء، تلك سنّة الله.

ولكن إذا كانت الذكرى سبب الألم فإن الأمل يُزيل هذا الألم، ولو رأيتَني -يا صديقي- وأنا أفكر ساعةَ أضطجع في فراشي في المستقبل، وأبني لنفسي -كما يقول المثل الفرنسي- قصوراً في إسبانيا! ولكني أبنيها على أساس متهافت، على الشهادة ... ومتى كانت الشهادة سبب السعادة؟ إني لأذكر آمالنا التي بنيناها على تحصيل البكالوريا يوم كنا نُحيي الليالي الطِّوال من أجلها، وكيف انهارت هذه الآمال كلها ساعةَ أخذناها فما وجدنا إلا ورقة لا تضر ولا تنفع، ولا تدل إلا على أن حاملها جاهل مركَّب أو عالم مغرور!

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015