التاريخ، والتي سقاها المسلمون بدمائهم يوم الفتح بعد بدر، ويوم الثورة بعد ميسلون.
لبثت ساعة في شرفتي أطلّ على هذه الخمائل المتتالية، فترجع بي إلى الماضي، وأرى صورَه تَتَابَعُ أمام عيني فتلهيني عن الشارع الفيّاض بالآنسات والآنسين المتكشّفات والمتكشّفين! وتشغلني عما هناك من حديث وقهقهة وغناء ... ثم تتكاثر عليّ فأقوم إلى غرفة المكتبة -وقد اتخذتها في الجانب الآخر من المنزل، جانب الحقول الهادئة والطبيعة الساكنة، لأنعم بسكونها وجلالها- وجلست أفكر، فرأيت أن هذا القصر العظيم الذي لمحته من خلال الذكرى قد انهار وتداعى، فقلت في نفسي: ما تصنع أمة مُرَزَّأة؟ وماذا أعدت من وسائل الدفاع و ...
ولكني لم أتمّ كلمتي حتى سمعت الفونوغراف (?) من دار أحد الجيران، فقلت: هذه أول وسائل الدفاع! ثم سمعت من الشارع: "يا ليل يا ليل ... "، فقلت: هذه الثانية. ثم: طا، طي، طا، طب طب، طي، طا ...
ماذا حدث؟ أزُلزلت الأرض زلزالها؟ أقامت الساعة؟ وإنّي لفي دهشتي وارتياعي وإذا بي أرى الجيران قد عمدوا إلى طِباق الغسيل و «تنكات» الماء والطبول، فانهالوا عليها ضرباً وقرعاً.