البواكير (صفحة 138)

هو ذلك العظيم الذي صاح في بطحاء مكة، فرنَّتْ صيحته في أنحاء الجزيرة فهَبَّت كلها تسير تحت لوائه؟

طأطئوا الرؤوس وقفوا خاشعين، فإنه محمد بن عبد الله، سيد العالم ورسول رب العالمين، صلى الله عليه. جاء محمد بالقرآن هدى من الله ونبراساً، فاهتدى العرب بهديه وساروا على سَننه، فأعزهم الله به ونصرهم، فكانوا ظاهرين. حملوه في صدورهم ووعوه في قلوبهم، ثم خرجوا من الجزيرة ليجاهدوا في سبيل الله كسرى وقيصر العظيمَين الجليلين، فمكّنهم الله منهما، فثَلّوا عرشيهما وهوت على أقدامهم تيجانهما، وخَلَفوهما في دارهما.

بالقرآن حاربوا، وبالإيمان جاهدوا، وبهما ظفروا وبهما انتصروا. انتصروا فلم يبيدوا الحضارة ولم يبدّدوا العلم، لأن دينهم دين الحضارة وشريعتهم شريعة العلم، فأقبلوا على نشرهما وترقيتهما، جاعلين الدين لهما مقياساً والشريعة ميزاناً، فلم يَمُرّ زمن حتى مكّنَ الله لهم في الأرض، فأصبحوا ملوكها وسادتها.

امتدت دولتهم ما بين مونبلْيِه في قلب فرنسا والتُّبَّت في قلب الصين، وخفقت رايتهم على العالم كله فخفقت لها القلوب وارتجَّت منها الدنيا، وكانت عاصمتهم بغداد منار الهدى وموئل العلماء ودار العمران، والكلمةُ تخرج من قصر خليفتهم فيكون لها في آفاق الأرض دويّ الرعد في آفاق السماء، فلا يبقى من عظيم إلا ويخضع لها، ولا جبار إلا ويهلع قلبه لجلالها.

كان قائدهم يجاهد في سبيل الله حتى يبلغ البحر ولا يرى أمامه من سبيل، فيخوضه بفرسه فيلامس الماء بطنها، ثم يقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015