البواكير (صفحة 137)

المؤسسات، وللشريعة الإسلامية أحكام لو تمسَّكْنا بها لكنا خير أمة أُخرجت للناس وأقوى شعب عاش تحت الشمس، وللنجاح طريق معبَّدة وسبيل واضحة سلكها أجدادنا فكانوا سادة الأرض، وتنكّبناها فصرنا عبيدها، تلك هي سبيل الدين.

* * *

كان العرب في جاهليتهم أهل إبل وشاة ومضارب وخيام، ليس لهم حضارة الروم ولا عظمة فارس ولا عِلْم يونان، قَطْر السماء أقصى سعادة يرونها، والكفاف من العيش أبعد غاية يؤملونها، وكانوا منشَقّين على أنفسهم متباينين في قبائلهم ومساكنهم، يثيرون الحرب الزَّبون من أجل ناقة لَبون، ويحملون شقاء الدهر لإدراك الثأر، لا ملك يقودهم ولا راية تجمعهم ولا حكومة تنظم أمورهم، حكمهم لسيوفهم وظفرهم برماحهم، آلهتهم شتى وأربابهم أصنام، يخشون كسرى ويرجون قيصر، قبعوا في باديتهم وقنعوا بجزيرتهم، لا يطمحون إلى تاج ولا يطمعون في سرير، إذا فارقوا صحراءهم وغادروا جزيرتهم بَدَوا ضعافاً وكانوا خاضعين لمن يعرض لهم من الملوك والخَواقين.

لبثوا على تلك الحال ما شاء الله أن يلبثوا، وغَبَرت دهورٌ وهم على شأنهم لم يتحولوا، ثم كان أمر وكانت عشيّة أو ضحاها، فإذا الافتراق اتحاد والضعف قوة والبداوة حضارة، وإذا هذا الشعب الجاهل خير الشعوب وأفضل العالَمين.

ماذا حدث؟ وكيف كان؟ من هو ذلك الرجل العظيم الذي هَزَّ هذه الصحراء الجَدْباء فأخرج منها أمة عالمة قوية مهذبة؟ من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015