وَقَوله: (لله) هُوَ الْمَحْمُود، فَهَذِهِ أَرْبَعَة، وَأما الْمَحْمُود عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَاعِث على الْحَمد فقد يُسْتَفَاد من قَوْله الَّذِي يقْضِي الخ أَي فكونه يقْضِي على غَيره وَلَا يقْضى عَلَيْهِ هُوَ صفة جميلَة فِي غَايَة الْكَمَال، وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِث على وَصفه بِكُل جميل فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْوَصْف بِكُل جميل من قدرَة وَعلم وَغَيرهمَا ثَابت لله، والباعث على وصفي لَهُ بذلك هُوَ كَونه يقْضِي وَلَا يقْضى عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِن الْمَحْمُود بِهِ والمحمود عَلَيْهِ قد يتحدان معنى ويفترقان بِالِاعْتِبَارِ كَمَا لَو قلت: أَحْمَده تَعَالَى بِالصِّفَاتِ الجميلة من قدرَة وَنَحْوهَا لكَونه متصفاً بهَا فالقدرة مثلا من حَيْثُ الْوَصْف بهَا مَحْمُود بهَا وَمن حَيْثُ إِنَّهَا باعثة على الْحَمد مَحْمُود عَلَيْهَا فَلَا شكّ أَن الْحَمد فِي النّظم مُتَضَمّن للأركان الْخَمْسَة. وَالْحَمْد والمدح مُتَرَادِفَانِ كَانَا فِي مُقَابلَة نعْمَة أم لَا. كَمَا للزمخشري فِي فائقه خلافًا للرازي حَيْثُ فرق بَين الْحَمد والمدح بِأَن الْمَدْح أَعم من الْحَمد لِأَنَّهُ يحصل للعاقل وَغَيره قَائِلا: أَلا ترى أَنه يمدح الْيَاقُوت على نِهَايَة صفائه وصقالته فَيُقَال: مَا أحْسنه وَمَا أصفاه، وَالْحَمْد لَا يكون إِلَّا للْفَاعِل الْمُخْتَار على مَا يصدر مِنْهُ من الإنعام كَانَ ذَلِك الإنعام واصلاً إِلَيْك أَو إِلَى غَيْرك اه. وَعَلِيهِ فيقيد الْمَحْمُود عَلَيْهِ بالاختياري وبكونه فِي مُقَابلَة نعْمَة ليخرج الْمَدْح، لَكِن يلْزم على التَّقْيِيد بِهِ خُرُوج الثَّنَاء على الصِّفَات الْقَدِيمَة وَأَنه لَا يكون حمداً بل مدحاً فَقَط وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا أُجِيب بِهِ عَن خُرُوج الصِّفَات الْقَدِيمَة من تَعْرِيف الْحَمد بِنَاء على ذَلِك التَّقْيِيد من أَنَّهَا لما كَانَت مبدأ للأفعال الاختيارية كَانَ الْحَمد عَلَيْهَا حمد على تِلْكَ الْأَفْعَال الاختيارية تمحل غير سديد، فَلَا يعول عَلَيْهِ، وَالصَّوَاب مَا فِي الْفَائِق من ترادفهما. قَالَه الشَّيْخ الْبنانِيّ فِي شرح السّلم. وَأما الْحَمد عرفا أَي: شرعا فَهُوَ فعل ينبىء عَن تَعْظِيم الْمُنعم بِسَبَب كَونه منعماً وَهُوَ مساوٍ للشكر لُغَة وَبَينهمَا وَبَين الْحَمد لُغَة عُمُوم وخصوص من وَجه فعمومهما بِاعْتِبَار المورد لِأَنَّهُمَا يكونَانِ بِاللِّسَانِ وَبِغَيْرِهِ من الْأَركان وعمومه هُوَ بِاعْتِبَار الْمُتَعَلّق لِأَنَّهُ يكون فِي مُقَابلَة نعْمَة وَغَيرهَا فيجتمعان فِيمَا إِذا كَانَ الْوَصْف بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة، وينفردان عَنهُ فِيمَا إِذا كَانَا بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد هُوَ عَنْهُمَا فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة. وَأما الشُّكْر عرفا؛ فَهُوَ صرف العَبْد جَمِيع مَا نعم الله بِهِ عَلَيْهِ من سمع وَغَيره إِلَى مَا خلق لأَجله فَهُوَ أخص مُطلقًا من كل وَاحِد من الثَّلَاثَة قبله لتقييده بمنعم مَخْصُوص وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ حَيْثُ قيل فِي حَده: جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَلم يقل أنعم بِهِ عَلَيْهِ ولتقييده أَيْضا بِنِعْمَة واصلة إِلَى عَبده الشاكر، ولشموله لجَمِيع الْجَوَارِح بِخِلَاف الحمدين قبله وَالشُّكْر لُغَة فَلم تقيد النِّعْمَة فِي ذَلِك بمنعم مَخْصُوص وَلَا بِكَوْنِهَا واصلة إِلَى الحامد أَو الشاكر، بل وصلت إِلَيْهِ وَإِلَى غَيره، وَلَا يكون ذَلِك بِجَمِيعِ الْجَوَارِح كَمَا لَا يخفى، وَهَذَا الشُّكْر هُوَ الشُّكْر الْمَأْمُور بِهِ شرعا الْمعبر عَنهُ