مستجيرين محلا لا تضيق بهم دياره، ولا تمتلئ منهم أقطاره، ولا تغلوا بكثرتهم أسعاره، ولا يتحاكم في أقواتهم تجاره، ولا يعجز عن ميرتهم ممتاره. ولا يحس أهله بالواردين منهم إذا أتوا، ولا الصادرين إذا مضوا.
أفتحسب أيها الإنسان أن بلدا واحدا لا تخيل علينا أقطاره، ولا يذهب عنا مقداره، ولا تشتبه علينا طرقه، ولا فضل في مسالكه، يسع أجراما فتحركه، وأجساما فتصرفه. لا مقدار لعددها ولا سبيل إلى إحصائها، ثم لا يكون كثرة الناس فيه، وتحركهم في حواشيه إلّا قريبا مما كانوا وشبيها بما عرفوا. إن هذا لشأن عجيب وأمر ظريف.
وسنأخذ العيار من أخصر وجوه الكلام، ثم نجعل ذلك بين حالين لا يخرجان عن تحصيل الخاصة، كما لا يذهبان عن عقول العامة، يشتمل عليهما البرهان الموصول بحجة العيان.
ونصير إلى ذكر المسجد الجامع في الجانب الغربي بمدينة المنصور فنحصله ذرعا مكسرا ثم نقسم ذلك على المصلين فيه في آخر جمعة يجمع الناس من الشهر الشريف، أو أولها، بعد أن نعلم أن كل مصل سيشغل مركزا للصلاة لركوعه وسجوده وقيامه وقعوده ويكون خمسة أشبار في شبر لا تصح الصلاة بما هو دون ذلك من المراكز. ثم نضيف إلى أرباب الصلاة ببغداد الذي سلف منا ذكرهم من أهل البصرة والأبلة وسائر الكور التي عددناها، والمدائن التي ذكرناها وما هو بين ذلك وعن يمينه وشماله ومن خلفه وقدامه. فنجعلهم ضعفا لمن ضمّت بغداد من أهلها الراتبين فيها. وإن كان بالواجب في كثير من الأقاويل أن يكونوا أضعافا مضاعفة على ما ضمته من أهلها ومساكنها. وقد قلنا إن عدد من ببغداد من الناس رجالا ونساء، صغارا وكبارا ستة وتسعون ألف ألف إنسان. [60 ب] إذا أضعفوا بمن أضيف إليهم مائة واثنان وتسعون ألف ألف إنسان ثم سقط من هذه العدة بحق النساء والصبيان والمريض وأهل الذمة. وقد ذكرنا قدر مركز المصلي وأعلمنا أنه خمسة أشبار يضبط بها ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده في شبرين لا تطيب الصلاة في دونها. وقد حصل من ذرع المسجد الجامع الغربي دون رحابه وما زيد فيه مائتا