إذ يقول: "فجعلها الإقبال والإدبار مجاز على سعة الكلام كقولك: نهارك صائم، وليلك قائم"، وتحدث عنه أيضًا أبو عبيدة في كتابه (مجاز القرآن) وذكر الآية الكريمة {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (الحاقة: 21) قال: "وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها". وقال عن الآية الكريمة: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (النمل: 86) قال: "مجاز ما كان العمل والفعل فيه لغيره أن يبصروا فيه، ألا ترى أن البصر إنما هو في النهار، والنهار لا يبصر، كما أن النوم في الليل، ولا ينام الليل، فإذا نيم فيه قالوا: ليله نائم ونهاره صائم، قال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم"
وينمو الحديث عن أسلوب المجاز العقلي عند الفراء في كتابه (معاني القرآن) إذ أشار إليه في الآيات: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (هود: 43) {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (الطارق: 6) {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (القارعة: 7) كذلك في قول الشاعر:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فالمعنى: لا معصوم اليوم من أمر الله، خلق من ماء مدفوق، في عيشة مرضية، واقعد فإنك أنت المطعوم المكسو. كما تحدث عنه في قول الله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} (البقرة: 16) إذ يقول: ربما قال قائل: كيف تربح التجارة؟ وإنما يربح الرجل التاجر، وذلك من كلام العرب: ربح بيعك، وخسر بيعك. فخص القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه. ومثله في كلام العرب: هذا ليل نائم. ومثله في كلام الله -سبحانه وتعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ} (محمد: 21)، وإنما العزيمة للرجال. فهنا تراه يضيف جديدًا إلى دراسة هذا اللون هو أن يكون المخاطب عالمًا بموضع التجوز عارفًا بالإسناد الحقيقي الذي عدل عنه، وهذا يتم عن طريق السياق وقرائن الأحوال.