فحال المتكلم مأخوذة في الاعتبار أيضًا، وهو الذي يصوغ الكلام بعد تأثر وانفعال، فتنعكس حالته النفسية ومشاعره المختلفة على الخبر الذي هو صدى لعالمه النفسي وما يجيش به من عواطف، والشاعر عندما يعبر عن تجربته الشعرية، فإن عبارته تأتي ترجمة أمينة لمعاناته النفسية ووصفًا دقيقًا لخلجات وجدانه، فهو تارة يؤكد الكلام وينظمه مقررًا كما أحسه وكما امتلأت به نفسه حرصًا منه على إذاعته وتقريره في النفوس، وتارة يرسل الكلام إرسالًا إذ لا يقتضي المقام تقريرًا وتثبيتًا، وهذا الأمر واضح في الشعر العربي، في استطاعة القارئ المتأمل أن يقف على الكثير من هذه المواضع، فالخنساء حين ترثي صخرًا فتقول:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه إنار
لم تكن معنية بالرد على منكر أو متردد، ولكنها تعبر عن مأساتها الفاجعة في فقد أخيها، والآلام التي تعانيها وتصطلي بنارها، ولذلك نجد أنها صاغت المعنى مؤكدًا كما أحسته، وكما امتلأت به نفسها، ومن هنا جاء كلامها معبرًا أصدق تعبير عن عاطفتها الحزينة، وهذا من الوضوح بمكان، وهو شائع في رثائها لأخيها صخر، تأمل من غير ذلك قول الشاعر:
إنا لمن معشر أفنى أوائلهم ... قيل الكماة ألا أين المحامون
فالشاعر هنا يفخر بشجاعة قومه وخبرتهم في الحروب، فهو يؤكد الكلام بدوافع نفسية، يجدها في داخله غير ناظر إلى مخاطب، وهذا من مراعاة حال المتكلم في صياغة الكلام، وهو كثير شائع في النظم الكريم، وله في النفس وقع عظيم وأثر بالغ. من ذلك قول الله تعالى على لسان إبراهيم -عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (إبراهيم: 37) وقوله تعالى: {رَبَّنَا