وهو أصل من أصول الدين التي يجب على الخلق معرفتها والإيمان بها، والله -سبحانه وتعالى- يقسم عليه ويقرره أبلغ تقرير حتى يتمكن في النفس فضل تمكن، ولا يخفى ما في التعبير بالفعل {زَعَمَ} من كشف الزيف، وبيان التهافت في منطق الكافرين، فالزعم مطية الكذب إذ لا أساس له، ولا دليل عليه، فهو وهم باطل، وضلال مبين، والهوى يعمي ويصم.
ووجه تسمية هذه الثلاثة بأسمائها أن الأول: سمي ابتدائيًّا لأنك تبتدئ به المعنى في النفس، والمخاطب غير متردد، ولا منكر. والثاني: سمي طلبيًّا؛ لأنك تواجه به ترددًا، فهو مسبوق بطلب كأن النفس طالبة للخبر ليزيل هذا الشك ويدفع الشبهة، ويمحو التردد. والثالث: سمي إنكاريًّا لسبقه بالإنكار من المخاطب، ويجب أن يكون المتكلم مع المخاطب كالطبيب مع المريض يشخص حالته، ويعطيه ما يناسبها، فحق الكلام أن يكون بقدر الحاجة لا زائدًا عنه، ولا ناقصًا منه، فلا يؤكد لخالي الذهن، ويؤكد بمؤكد واحد استحسانًا للمتردد، ويؤكد بمؤكد أو بأكثر وجوبًا للمنكر حسب درجة إنكاره، وبذلك تتحقق مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فكل مقام من هذه المقامات يستدعي تركيبًا خاصًّا يفيد ما يناسبه من الخصوصيات.
ويسمى إخراج الكلام على هذه الوجوه الثلاثة إخراجًا على مقتضى الظاهر؛ أي ما يقتضيه ظاهر الحال، وكثيرًا ما يخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لدواعٍ تستدعي ذلك ولأسرار تقتضيه، وهو باب من البلاغة يدق مسلكه، ويلطف موقعه، ويعظم أثره في النفس، فيتمكن منها فضل تمكن شريطة أن يكون المتكلم بليغًا خبيرًا بأسرار الجمال في هذه الأساليب. وأن يكون المخاطب ذا