وخلاصة القول أنه يجب أن يكون المتكلم عارفًا بقواعد البلاغة التي تورث الكلام حسنًا وبهاء، وإلا جاز حمل الكلام الصادر منه على غير جهات الحسن، كأن يحمل كلامه المؤكد مثلًا على غير نفي الشك ورد الإنكار؛ لأنه لم يقصد إلى شيء من ذلك، فلا قيمة لكلامه في ميزان البلاغة. ولقد ظهر مما سبق أن البلاغة في الكلام مرجعها إلى أمرين؛ أحدهما: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وذلك إنما يتحقق بمراعاة مقتضى الحال. وثانيهما: تمييز الفصيح من غيره على مستوى الكلمة المفردة والتركيب كله، وذلك بمعرفة الأمور المخلة بالفصاحة: من التنافر والغرابة، ومخالفة الوضع اللغوي، وضعف التأليف والتعقيد، والبعد عن هذه العيوب حتى تتحقق الفصاحة التي هي شرط في البلاغة. وتمييز الفصيح من غيره منه ما ترجع معرفته إلى علم متن اللغة، كالغرابة، أو إلى علم الصرف والوضع اللغوي كمخالفة القياس، أو إلى علم النحو كضعف التأليف والتعقيد اللفظي، أو يدرك بالذوق السليم والحس الصادق، وهو التنافر، فلم يبق إلا التعقيد المعنوي الذي يحترز عنه بعلم البيان.
أما الخطأ في تأدية المعنى المراد، فالاحتراز عنه يكون بعلم المعاني، وأما تحسين الكلام وتزيينه بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال والفصاحة، فهذا هو موضوع علم البديع. وبذلك انقسمت البلاغة عند المتأخرين إلى هذه العلوم الثلاثة: علم المعاني، وهو ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وعلم البيان، وهو ما يحترز به عن التعقيد المعنوي، وعلم البديع، وهو ما يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال والفصاحة.