بلاغة المتكلم: ذلك أن المتكلم البليغ هو الذي يستطيع التعبير عن معانيه بعبارات صحيحة ملائمة للموضوع الذي تقال فيه ومطابقة لأحوال المخاطبين، وقد عرفها البلاغيون بقولهم: هي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ. والملكة: كيفية راسخة في النفس، يستطيع بها المتكلم أن يعبر عن مراده تعبيرًا بليغًا في أي معنى من المعاني: كالمدح والفخر، والهجاء والغزل والرثاء، وغير ذلك من الأغراض والمقاصد، فهو بليغ، وإن لم ينطق بالفعل؛ لأن لديه القدرة على صوغ الكلام البليغ. وهذه الملكة تتكون بالمران، وتنمية الموهبة الفطرية في إدراك الفروق بين الأساليب المختلفة، ولا بد من الاطلاع على روائع التراث الأدبي، والتأمل في عيون الشعر العربي للوقوف على مظاهر الحسن فيها، والتعرف على الأسباب التي من أجلها نالت هذه المنزلة وسمت إلى تلك المكانة، وعندئذ يصبح المتكلم من الخاصة العارفين بأساليب الكلام العربي ووجوه اعتباراته.
ولقد عرض الخطيب وشراح تلخيصه لمسألة: كيفية تربية الملكة لدى الناشئ. فذكر ضمن ما يجب أن يكون على ذُكر من طالب هذا العلم قول السكاكي: "ليس من الواجب في صناعة، وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها، فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق". وهذا الكلام لم يعجب بعض المحققين؛ إذ يرى هذا البعض أنه خيرًا من هذا ألا يقلد الناشئ إلى أن يتربى له الذوق، فيذوق بنفسه؛ لأن التقليد مذموم في كل علم. والحق أن هذا ما أشار