فقد جمع في البيت الصفات الحميدة من شجاعة وسماحة ومروءة ونجدة وإغاثة ملهوف وغير ذلك؛ لأن هذه الصفات من ضيم النفس؛ إذ تجد بحملها مشقة وعناء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أوتي جوامع الكلم، والكلام الجامع هو الذي تتكاثر معانيه وتقل ألفاظه، ومن جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام: ((لا ضرر ولا ضرار)) ((إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع)) ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) ((المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعودوا كل جسم ما اعتاد)) فتلك ألفاظ قليلة حوت معاني كثيرة، يطول بك القول لوصفها والإحاطة بها. ومن إيجاز الكُتاب ما كتبه عمرو بن مسعدة إلى المأمون بشأن رجل يهمه أمرَه إذ قال في كتابه: "كتابي هذا كتاب واثق لمن كتب إليه، معنيّ بمن كتب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله". ولا يخفى عليك في كل ما ذكرنا ما تضمنته هذه العبارات الوجيزة، من معان غزيرة، صيغت في عبارات قليلة وألفاظ موجزة، وهذا هو شأن إيجاز القِصَر، الذي يجري مجرى الأمثال في الجمع بين الإيجاز والجمال والقوة.
أما إيجاز الحذف فقد عرّفه البلاغيون: بأنه التعبير عن المعاني الكثيرة في عبارة قليلة، بحذف شيء من التركيب مع عدم الإخلال بتلك المعاني، ولابد في كل حذف من وجود أمرين: داعٍ يدعو إليه، وقرينة تدل على المحذوف وترشد إليه وتعيّنه، والمحذوف إما أن يكون جزء جملة أو كلمة أو جملة أو أكثر من جملة، فحذف جزء الكلمة، كما في قول الله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (مريم: 20) فالأصل: ولم أكن بغيًّا، فقد حذفت النون تخفيفًا، وقوله عز وجل: "ونادوا يا مالِ ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون" بقراءة من قرأ