سلمى، وهي من كلام الشاعر لا من مظنوناتها، فدفعًا لهذا التوهم وجبَ الفصل، ومثله قول الآخر:
يقولون إني أحمل الضيم عندهم ... أعوذ بربي أن يضام نظيري
فصل جملة "أعوذ بربي" عن جملة "يقولون" مع جواز عطفها عليها، حتى لا يُتوهم عطفها على جملة "أحمل الضيم"، فتكون من مقولهم، وهي ليست منه، بل هي من كلام الشاعر، ويمكن أن يكون من هذا الموضع قول الحماسي:
زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف
فيكون فصل جملة "لهم إلف" عن جملة "زعمتم"، دفعًا لتوهم عطفها على جملة "إن إخوتكم قريش"؛ إذ هي ليست من زعمهم، بل من كلام الحماسي، وانظر في قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (البقرة: 14، 15) فقد مرّ بك امتناع عطف جملة {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على جملة {إِنَّا مَعَكُمْ} أو على جملة {قَالُوا}، أما عطفها على جملة الشرط، وجوابه {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا} فجائز، ولكن يَمنع منه توهم عطفها على إحدى الجملتين المذكورتين، وكذا القول في الآيات الكريمة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} (البقرة: 11 - 13) ولا يخفى عليك أنه يُمكن رد سبب الفصل في هذه الشواهد إلى شبه كمال الاتصال، كما نبه كثيرٌ من البلاغيين، والنكات البلاغية لا تتزاحم.