محمد قصرًا حقيقيًّا ادعائيًّا؛ لأنك تجعله الكامل في الشجاعة، ولا تعتد بشجاعة غيره لقصورها عن رتبة الكمال وهكذا.
فإن كان طرفا الإسناد معرفين بأل الجنسية، كقولك: العالم المنطلق، فإن السياق هو الذي يحدد المقصور والمقصور عليه؛ إذ هو صالح لقصر العلم على المنطلِق، ولقصر الانطلاق على العالم، والسياق هو الذي يحدد ويعين المراد، والمقصور بهذا الطريق هو المعرف بأل أو الذي يحدده السياق، إذا كان الطرفان معرفين معًا بها، وقد يكون على إطلاقه كما في الأمثلة السابقة وقد يقيد بقيد كقولك: محمد المطاع في قومه، وأنت القائد الجريء؛ حيث قُصِرت الطاعة المقيدة بالجار والمجرور على محمد، وقُصرت القيادة المقيدة بالجرأة على المخاطب. ومن ذلك قولهم: هو الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيرًا، وهو الجواد حين يبخل الناس، ومنه قول الأعشى:
هو الواهب المائة المصطفاة ... إما مخاضًا وإما عشارًَا
فالشاعر قد قصر الهبة على الممدوح ليس مطلقًا وإنما مقيدة بكونها من النوق، وبكونها مائة وبكونها مصطفاة وبكونها إما مخاضًا وإما عشارا، وهذا أبلغ في مقام المدح من قصر الهبة المطلقة كما لا يخفى. ومن أهم ما ينبغي أن تتجه إليه عناية الدارس لأسلوب القصر: أن يقف على ما بين طرقه من فروق وأوجه اختلاف؛ فإن هذه الطرق على الرغم من اشتراكها في الدلالة على معنى القصر فإنها تختلف من عدة أوجه، وأهم هذه الأوجه: