درهمًا، وكأنك لما قصرت الإعطاء على زيد شعرت بحاجة السامع إلى نوع العطاء، فأردت أن تبينه فقلت: درهمًا، وحذفت الفعل والفاعل لدلالة ما تقدم عليهما، وبعضهم أجازه إذ صرح بالمستثنى منه كأن يقال: ما ضرب أحدٌ أحدًا إلا زيد عمرًا، فزيد مستثنى من أحد الأول وعمرو مستثنى من أحد الثاني.
ومنهم من أجاز ذلك التقديم مطلقًا من غير تصريح بالمستثنى منه، وإن كان هذا التقديم قليلًا في التعبيرات الجيدة، وحجتهم أن أداة الاستثناء لا يخرج بها إلا شيء واحد وهو ما يليها، فلا يقع لبس فيما بعدها، فإذا قلت: ما ضرب إلا محمد زيدًا، لا يتوهم أن محمدًا هو المستثنى وهو المقصور عليه، وكذا قولك: ما شرب إلا اللبن محمد، لا يتوهم أن اللبن هو المقصور عليه المستثنى، وهذا هو الأولى بالقبول لوروده في التعبيرات الجيدة. وخلاصة الأمر: أن المقصور عليه هو ما يلي أداة الاستثناء، سواء تقدمت به الأداة أو تأخرت، فالراجح أنه لا مانع من هذا التقديم لوضوح المراد وزوال اللبس بمعرفة موضع المقصور عليه. والذي ينبغي معرفته أن النفي والاستثناء هو رأس باب القصر، وهو الطريق الأم بين طرقه؛ إذ نراهم يقيسون عليه غيره فيقولون مثلا: قولك: إنما زهير شاعر، معناه: ما زهير إلا شاعر، وقولك: لك هذا، معناه: ما هذا إلا لك، فلا منازعة في أن النفي والاستثناء، يدل على القصر، ولم يذهب أحد من البلاغيين إلى خلاف ذلك؛ لأن دلالة طريق النفي والاستثناء على القصر دلالة واضحة وضوحًا تامًّا وظاهرة ظهورًا قويًّا.
وعلى الرغم من هذا ترى البلاغيين يتحدثون عن وجه هذه الدلالة فيقولون: إن وجه دلالة النفي والاستثناء على القصر هو أن النفي في الاستثناء المفرّغ هو الذي تُرك فيه المستثنى منه، ففُرغ الفعل الذي قبل إلا وشغل عنه بالمستثنى المذكور بعدها نحو: ما ضرب إلا زيد وما فعل زيد إلا هذا وما كسوته إلا جبة، يقولون: النفي في هذا الاستثناء متوجه إلى مقدر عام وهو المستثنى منه؛ لأن "إلا" للإخراج