بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(مبحث القصر)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونسترضيه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فمع مبحث آخر من مباحث علم المعاني وهو "القصر"؛ نتعرف عليه ونقف على أنواعه ووجه بلاغته:
أسلوب القصر من الأساليب الغنية بالاعتبارات الدقيقة والملاحظات العديدة، فهو فنٌّ دقيق المجرى لطيف المغزى جليل المقدار كثير الفوائد غزير الأسرار، تأمل معي مثلًا قول عبد الله بن قيس الرقيات:
إنما مصعبٌ شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء
تجده يفيد المبالغة في وصف مصعب بالشجاعة والإقدام بعبارة مختصرة وأسلوب موجز، وقد آثر الشاعر التعبير بـ"إنما" ليدل على أن اتصاف مصعب بصفة الشجاعة أمر ظاهر بيّن؛ فتلك خصوصية من خصوصيات "إنما"، وبهذا يتضح لك أن أسلوب القصر في البيت قد حقق ثلاث مزايا: الإيجاز والمبالغة والدلالة على شهرة مصعب وذيوع شجاعته. ويرجع ثراء أساليب القصر وكثرة فوائدها إلى تنوّع طرقها وما بين تلك الطرق من فروق دقيقة واعتبارات وملاحظات لطيفة.
القصر في اللغة: معناه الحبس، يقال: قصرته أي حبسته، وهو مقصور أي محبوس، قال تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن: 72)؛ أي محبوسات قد قصرن نظرهن على أزواجهن، فالمرأة قاصرة الطرف هي التي تحبس طرفها على بعلها، وتخصه به فلا تمده إلى غيره.