ومن ذلك: التهكم كما في قوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (هود: 87)، فهم يسخرون منه ويتهكمون بما جاء به، وقد عبروا عن ذلك بصيغة الاستفهام ليدلوا على ثباتهم على الكفر ووقوفهم الصامد في الضلال والمكابرة.

ومنها: التمني، وذلك عندما يطلب السائل الأمور المحالة أو البعيدة الحصول، كما في قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (الأعراف: 53) {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: 44) {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} (غافر: 47) وكأنهم لفرط ما هم فيه من هول العذاب صاروا يسألون غير الممكن، كما يسأل عن الشيء الذي لا محالة في وجوده، إلى غير ذلك من الأغراض البلاغية التي يفيدها الاستفهام، هي أكثر من أن يحاط بها؛ لأنها معان تستنبط من السياق وتأمُّل أحواله، والمعول عليه في ذلك هو سلامة الذوق وتتبع التراكيب الجيدة، ولا ينبغي لك أن تقتصر أنت في ذلك على معنى سمعته أو مثال وجدته من غير أن تتخطاه إلى غيره، بل عليك التصرف واستعمال الرويّة لمعرفة هذه الأسرار والنكات.

وكثيرًا ما تجد أسلوب الاستفهام يفيض بأكثر من معنى بلاغي، تأمل مثلا قول الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة: 28) فإنك تجد الاستفهام يفيد الإنكار التوبيخي؛ أي لا ينبغي أن يكون منكم كفر، وقد علمتم قصة خلقكم وحياتكم، كما يفيد التعجيب من وقوع هذا الكفر والحث على الإقلاع عنه والإقبال على الهدى والإيمان؛ لأن في خلق السموات والأرض وفي خلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015