أما بقية أدوات الاستفهام، فهي كما قلنا للتصور فقط، فيسأل بها عن معانيها، ويكون الجواب عنها بتعيين المستفهم عنه؛ ولذا لا يلتزم في بناء الجملة معها سوى الضبط العام في النظام الإعرابي لصياغة الجمل، مع مراعاة تصدر تلك الأدوات كما قلنا، فليس وراء بناء الجمل مع تلك الأدوات دقائق ينبغي مراعاتها كما هو الحال بالنسبة للهمزة وهل. فـ"من" يطلب بها تصور من يعقل أو من يعلم، كقولك: من عندك؟ من فتح بلاد الأندلس؟ فيقال في الجواب: زيد والقائد البطل طارق بن زياد، ولك أن تقول في جواب الأول: العالم الصادق، وفي جواب الثاني: القائد البطل، الذي لا تخفى على أحد بطولاته وتفانيه في نشر دين الله، أي: أن الجواب يكون إما بذكر الذات المستفهم عنها، أو بذكر الأوصاف الخاصة بالمستفهم عنه المشخِّصة له، ومن ذلك قول الله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه: 49، 50) فقد أجاب موسى -عليه السلام- ببيان الصفات الخاصة برب العزة المنفرد بها سبحانه وتعالى.
وانظر إلى قوله جل وعلا: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 59، 60) وقوله عز من قائل: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} (فصلت: 15) فواضح من الآيتين أن الجواب قد اشتمل على ذكر الذات المستفهم عنها.