الجمهور أن التقديم في هذين الحالين قد يكون للاختصاص، والاختصاص يقتضي وقوع النسبة والعلم بها، وأن المراد هو السؤال عن الفاعل أو المفعول، وهل لا يُؤتى بها لهذا، بل هي للتصديق؛ أي طلب العلم بالنسبة، فإذا كانت النسبة معلومة عند دلالة التقديم على الاختصاص كانت هل لطلب حصول الحاصل، وهذا عبث! وظاهر هذا الوجه المنع، ولكنهم عدّوه قبيحًا لاحتمال أن يكون التقديم لمجرد الاهتمام بالمقدم، فيكون التقديم على خلاف الغالب، لا للتخصيص الذي يقتضي العلم بالنسبة أو لاحتمال تقدير فعل محذوف دلّ عليه المذكور، فيكون الفعل الظاهر قد مُنع من العمل بلا شاغل عنه، وذلك قبيح.
ورجح العلامة سعد الدين التفتازاني أن وجه عدم امتناعه هو الاحتمال الثاني دون الأول؛ لأننا لو قلنا: إن التقديم في هل زيد قام وهل زيدا أكرمت؟ للاهتمام لم يكن هناك وجه لعدّه قبيحًا، وإلا للزم أن يكون التقديم للاهتمام قبيحًا مطلقًا ولا قائل به، كذا في (المطول). ورجح السكاكي جواز ذلك بلا قبح؛ لعدم إفادته التخصيص، ولأنه ليس مقدمًا عن تأخير، وسبب ذلك وإن لم يذكره السكاكي يرجع إلى طبيعة هل وأصلها، لا إلى دلالة الاختصاص التي يحتملها التقديم، وقد قالوا: إن هل في الأصل بمعنى قد، وترد أحيانًا مسبوقة بالهمزة، فيقال: أهل جاء زيد؟ ومن ذلك قول الشاعر:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
الأكم: هو الموضع الذي يكون أشد ارتفاعًا مما حوله، فلما طالت ملازمتها الهمزة تشربت منها معنى الاستفهام، فسقطت الهمزة وبقيت هل دالة عليها، ولما كانت "قد" لا تدخل إلا على الأفعال كانت كذلك هل التي بمعناها، وعلى ذلك إذا وجد الفعل في التركيب وجب مراعاة معنى هل الأصلي في لزوم إيلائها