وقد يرِد الأمر ولا يراد به مأمور معين، وإنما يراد به كل من يتأتَّى منه الخطاب. كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بشروا المشائين إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة))، فهو -صلى الله عليه وسلم- لا يريد بهذا مخاطبًا معينًا، إنما أراد عموم الأمر؛ حتى كأن كل فرد من أفراد الأمة مبشر لهؤلاء، وفي هذا تكريم للمشائين إلى المساجد، وتنويه بشأنهم، وبرضا الله تعالى عنهم، وتجليه عليهم بالرحمة والغفران والنور التام.

إلى غير ذلك من الأغراض والمعاني البلاغية التي يفيدها أسلوب الأمر، وهي كثيرة يطول حصرها، وما نريده الآن هو أن نقف على وجه دلالة أسلوب الأمر على تلك المعاني.

وقد ذكر كثير من البلاغيين: أن هذه المعاني التي يفيدها أسلوب الأمر معان مجازية، بمعنى: أن الأسلوب قد انتقل من الدلالة على الأمر إلى إفادة تلك المعاني، وكل مجاز لا بد فيه من علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي.

وقد خاض البلاغيون ووجدوا في التماس تلك العلاقات. فالعلاقة بين الأمر والإباحة هي الإطلاق والتقييد؛ لأن الأمر إذن المقيد، والإباحة لمطلق الإذن. فاستعمال الأمر في الإباحة مجاز مرسل. ويجوز أن تكون العلاقة التضاد؛ لأن إباحة كل مِن الفعل والترك تُضاد الإيجاب، والعلاقة بين الأمر والتهديد شبه التضاد، وبين الأمر والإهابة اللزوم. وهكذا.

وبعضهم يجعل استعمال الأمر في تلك المعاني من قبيل الكناية، وبعضهم يجعله من قبيل مستتبعات التراكيب، وكذا القول في المعاني البلاغية التي يفيدها أسلوب النهي أو أساليب الاستفهام الآتي بيانها -إن شاء الله-.

والذي نراه أن دلالة الأمر وكذا النهي والاستفهام على تلك المعاني هي من مستتبعات الكلام، بمعنى: أن السياق وقرائن الأحوال هي التي تحدد تلك المعاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015