وتأمل مع ذلك قول الله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (إبراهيم: 30). وقد أخبر الله -عز وجل- عنهم أنهم أشركوا به وجعلوا له أندادًا ليضلوا عن سبيله، ثم جاء الوعيد والتهديد: {تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} (إبراهيم: 30)، فليس المراد بالأمر في الآية الامتثال. كأن الله تعالى لما ارتكب هؤلاء ما لا يغفر وهو الشرك أراد بهم أن يقوى طغيانهم، ويشتد إعراضهم، ويزدادوا تمتعًا بشهواتهم، فإذا ما تم لهم ذلك كان عقابهم أشد وأقوى.
فليس الأمر مرادًا -كما ترى- بل المراد: هو الزجر والوعيد حتى يقلع هؤلاء عما هم فيه من عناد ومكابرة. وتدبر الالتفات من الغيبة في قوله: {جَعَلُوا}، {لِيُضِلُّوا} إلى الخطاب في قوله: {تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ} فهو التفات الغاضب المتوعد. وعلى نحو ما ذكر يُحمَل قوله -عز وجل-: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} (التوبة: 64)، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (فصلت: 40) فليس المراد -كما ترى- بالأمر: {اعْمَلُوا} أن يمتثلوا فيعملوا ما يشاءون، بل المراد الزجر والتهديد حتى يقلعوا عن الإلحاد، ويكفوا عن العناد، وكأن الله سبحانه لشدة غضبه عليهم يأمرهم بما يوجب عقابهم؛ لينكل بهم أشد تنكيل، وهذا هو سر بلاغة التعبير بالأمر في مقام الوعيد والتهديد.
ويأتي الأمر كذلك للتعجيز والتحدي، ويكون في مقام إظهار عجز من يدعي قدرته على فعل أمر ما وليس في وسعه ذلك. كما في قول الله تعالى: {وَإِنْ