من الأحيان إلى مناقشتها قبل الإذعان لها أو التسليم بها. وعلى هذا الأساس نجد أن كلمة مسرجًا في قول رؤبة السابق تتصف بالغرابة على النحو الذي أشرنا إليه إذا أخذت وحدها من البيت الذي وردت فيه، وفي هذا تجاهل لدلالة السياق التي تعين المعنى عند الإشكال، وهي من أبرز القرائن الدالة على مراد المتكلم. فإذا نظرنا إلى الكلمة في سياقها، فسوف نجد أنها بعيدة عن الغرابة، هذا على رأي بعض البلاغيين المحْدثين؛ لأنها لا تحتمل إلا تخريجًا واحدًا، هكذا يقولون، وهو أن الشاعر يصف أنف محبوبته بالدقة والاستواء كالسيف السريجي المشهور بدقته واستوائه، فهذا المعنى هو الذي يلائم السياق، خاصة إذا علمنا أن الشاعر يتفجع على محبوبته الموصوفة بتلك الصفات. أما تشبيه الأنف بالسراج في بريقه، فلا معنى له، كما أنه لا يتفق مع الجو النفسي الذي يسيطر على عاطفة الشاعر.

إن وضع الكلمة موضعها من السياق والنظر إليها على أنها لبنة في بناء محكم الأواصر أمر ينبغي أن يوضع في الاعتبار لدى الدارسين في البلاغة والنقد؛ لأن الكلمات لا تكتسب دلالة محددة قبل أن توضع في السياق، ولله در عبد القاهر حين يقول: "وهل تجد أحدًا يقول: هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها، وهل قالوا: لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافه قلقة ونابية ومستكرهة إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما! وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تلق بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقًا للتالية في مؤداها".

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن مقياس الغرابة ينبغي ألا يؤخذ على إطلاقه، بل لا بد أن يقيد بإطار المدة الزمنية التي استعملت فيها الكلمة، فاللغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015