في الآية الثانية: فالسياق ينبئ بمدى تمسكهم بعقائد الآباء وحرصهم على محاكاتها وتقليدهم فيها. فموضع الإنكار ومصبه والجهة المنظور منها هي المبعوثون لا البعث فهم سياق الحديث والغرض الذي تعمد به وقصد.
فلما كان الغرض المقصود في الآية الأولى هو البعث، قدم اسم الإشارة، ولما كان الغرض المقصود في الآية الثانية هم المبعوثون، قدم ما يدل عليهم: {نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}.
وقد يكون الغرض من تقديم أحد المعمولات على الآخر هو: أن تأخيره يخل بالمعنى ويوهم خلاف المراد، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (غافر: 28). فقد وصف الرجل بثلاث صفات: الإيمان، وكونه من آل فرعون، وكتمانه إيمانه. وقدم: {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} على: {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}؛ لأنه لو أخّر فقيل: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون؛ لتُوهم أن الجار والمجرور متعلق بالفعل: {يَكْتُمُ}، وأن الرجل يكتم إيمانه خوفًا من آل فرعون، فهذا إخلال بالمعنى المراد؛ إذ لا يفهم منه عندئذ أن الرجل كان من آل فرعون بل يتوهم أنه كان يكتم إيمانه؛ خوفًا منهم، ففي هذا ضياع للهدف والغرض من الآيات.
إذ المراد: إبراز عناية الله تعالى ورعايته لموسى بأن جعل من آل فرعون من يدافع عنه، ويجادلهم فيه، ويناقشهم من أجله.
وقد يقدم أحد المتعلقات؛ لإفادة التبكيت والتوبيخ كما في قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (يس:20، 21) حيث قدم الجار والمجرور: {مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} على الفاعل: {رَجُلٌ}؛ لأن في هذا التقديم زيادةً في