وقد يقدم المعمول؛ لكونه محل الإنكار كما في قول الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام: 164). فمحل الإنكار هو: كون الله غير الله بمثابة أن يُبغَى ربًّا؛ ولذا قدم فولي همزة الاستفهام. وقد يكون التقديم للتوكيد والاهتمام بالمقدَّم وتقوية الحكم. كما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (الضحى: 9، 10) فتقديم {الْيَتِيمَ}، و {السَّائِلَ} فيه تأكيد النهي وتقرير الحكم؛ إذ لا معنى لقصر النهي على القهر على اليتيم، والنهي عن النهي عن السائل. ولا يخفى عليك ما وراء التقديم بمجيء الفاصلة في الآيتين على حرف الراء، وما ينبئ به من شدة الزجر وقوة التحذير.
وتقول عن الصلاة: لا تغفل، الزنا لا تقرب، فيفيد التقديم المبالغة في النهي وشدة التحذير.
وعلى نحو ما يقع تقديم المعمولات على العامل، ويكون ذلك لنكتة بلاغية. فإنه يقع بين المعمولات نفسها، بأن يقدم بعضها على بعض ويكون ذلك أيضًا لنكتة بلاغية؛ ذلك أن الأصل في صياغة الكلام وبناء الجمل وتأليف العبارات أن يتقدم الفاعل على المفعول ونحوه من المتعلقات، وأن يتقدم المفعول الأول على الثاني والثاني على الثالث. ويقال مثلًا: أكرم محمدٌ خالدًا، وأعطى حاتم الفقير درهمًا، وأعلمت عمرًا ابنه ناجحًا.
وقد يخالف هذا الأصل فيقدم أحد المتعلقات على الفاعل، أو تقدم بعض المتعلقات على بعض؛ وذلك لأسرار بلاغية يقصد إليها البلاغي، ويقتضيها المقام. فإذا كان الغرض من الكلام مثلًا معرفة وقوع الفعل على المفعول، وانشغل الناس بذلك، قُدم المفعول على الفاعل. فيقال مثلًا: قتل الخارجي عمرًا، وأمسك بالمجرم الشرطي؛ وذلك أن الناس منشغلون بأمر الخارجي والمجرم، والغرض من الكلام متوجه إليهما.