فتقديم المفعول: {إِيَّاكَ} في الموضعين قد أفاد القصر، أي: قصر العبادة والاستعانة عليه تعالى، وكذا القول في الآيات الكريمة: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158)، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (التوبة: 129)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة: 172). فتقديم المعمولات: {إِلَى اللَّهِ}، و {عَلَيْهِ}، و {إِيَّاهُ}، في الآيات الكريمة السابقة قد أفاد الاختصاص.
ومن ذلك أيضًا قول شوقي:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم ... لم يبن ملك على جهل وإقلال
فتقديم الجار والمجرور بالعلم أفاد قصر بناء المُلك على كونه بالعلم والمال.
ومثل ذلك قول الآخر:
إذا شئت يومًا أن تسود عشيرة ... فبالحلم سُدْ لا بالتسرع والشتم
وقول غيره:
على الأخلاق خطوا الملك وابنوا ... فليس وراءها للعز رُكن
فقد قصر السيادة في البيت الأول على الحلم، بحيث لا تتعداه إلى التسرع والشتم، وقصر بناء الممالك وخطها في البيت الثاني على الأخلاق فليس وراءها للعز ركن. والعامل المقدر في كل ما ذكرنا كالمذكور. وقولك: زيدًا عرفتُه، إن قدرت المفسر بعد المنصوب أي: زيدًا عرفته: أفاد الاختصاص. وإن قدر قبله أي: عرفت زيدًا عرفته، أفاد: التوكيد وتقوية الحكم.
أما قول الله تعالى: "وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى" (فصلت: 17). في قراءة مَن قرأ بنصب "ثمود"، فلا يفيد إلا الاختصاص؛ لأنه لا يتأتى أن يقدر المفسر