أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (الكهف:1، 2). فقد حذف مفعول: {لِيُنْذِرَ} والأصل: لينذر الذين كفروا بأسًا شديدًا؛ وذلك حتى لا يقع الإنذار على الذين كفروا فيكون في هذا تنفير لهم من قبول الهدى والإيمان بالحق. فحذف المفعول فيه ترغيب لهم في قبول الهداية والإيمان، واستمالة لهم نحو الحق والنور المبين.
ومن ذلك قول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} (الأعراف: 143). فالمراد: -والله أعلم- أرني ذاتك، فحذف المفعول؛ حتى لا تقع عليه الرؤية؛ إذ الذات العلية لا تقع عليها الرؤية المحيطة كما تقع على الأشياء، وإنما هي تجليات؛ ولذا قال موسى -عليه السلام-: {رَبِّ أَرِنِي}؛ ليفيد قصده دون أن تقع الرؤية على الذات الإلهية؛ لأن هذا شيء لا يليق بالجلال. ففي مثل هذه الأمور الهائلة، وفي تلك المقامات الربانية ينبغي أن يكون الطلب تلميحًا وإيماء، ولا يليق أن يكون تصريحًا مكشوفًا.
كذا في (الخصائص والتراكيب).
وقد يحذف المفعول؛ استهجانًا لذكره والتصريح به. كما ترى في قول عائشة -رضي الله عنها-:، ((كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، فما رأيت منه ولا رأى مني)). تريد رؤية العورة.
وقد يحذف لمجرد الاختصار والإيجاز؛ حيث تدل عليه القرينة دلالة بينة جلية. فيعد ذكره عندئذٍ عبثًا، كما تقول: أصغيت إليه، تريد: أذني، وأغضيت عنه، تريد: بصري.