من الأحداث الثابتة المحققة، ومجيء نصر الله الذي وعد به -سبحانه وتعالى- حق ثابت لا ريب فيه، ولا يتردد في إثباته مؤمن، فقد جاء كما وعد -جل وعلا-.
وخذ قوله تعالى: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} (آل عمران: 111). وقوله -عز وجل-: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} (الممتحنة: 2) وقد أفاد التعليق بـ"إن" ضعف شوكة الكفرة، وعدم جرأتهم على قتال المؤمنين؛ فقتالهم أمر نادر الوقوع غير مقطوع به، وكذا الظفر بالمؤمنين، أي: ظفر هؤلاء الأعداء بالمؤمنين أمر غير محقق وغير مقطوع به: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} (الممتحنة: 2) أي: يظفروا بكم، ثم تأمل قوله: {وَوَدُّوا} بالماضي عطفًا على المضارع: {يَكُونُوا} و {يَبْسُطُوا}، وما ينبئ به استعمال الماضي في موضع المضارع من رغبة الكفرة وتمنيهم وحرصهم الشديد على أن يتحقق هذا الفعل. كأنه قيل: ودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم عن دينكم، هم يتمنون لكم مضار الدنيا والآخرة من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردكم كفارًا، وردكم كفارًا أسبق المضار عندهم لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه.
هذا هو رأي الزمخشري، ويرى الخطيب: أن: {وَوَدُّوا} ليس معطوفًا على الجزاء، بل هو معطوف على الجملة الشرطية، كما في عطف: {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} (آل عمران: 111) في الآية السابقة؛ وذلك لأنه ليس في تقييد: {وَوَدُّوا} بالشرط فائدة؛ إذ ودادتهم أن يرتدوا كفارًا حاصلة، وإن لم يظفروا به.
ذكر ذلك الخطيب القزويني في كتاب (الإيضاح).