وأنواعه، ولكون مجيء الحسنة محققًا ومقطوعًا بوقوعه، فقد عبر عنه بلفظ الماضي: {جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ}، أما إتيان السيئة فغير محقق الوقوع، إذ نادرًا ما تقع السيئة بالنسبة إلى الحسنة؛ ولذا استعملت "إنْ" معها، ونكِّرت السيئة؛ لإفادة التقليل، فعبر عن الإصابة بلفظ المضارع: {تُصِبْهُمْ} المشعر لعدم تحقق الوقوع.
وتأمل قول الله تعالى في آية أخرى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (الروم: 36). تجد أنه نكرت الرحمة: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً}، وعبر عن الإذاقة بالماضي: {أَذَقْنَا}، واستعملت "إذا"؛ وذا للدلالة على أن إذاقة الناس قدرًا قليلًا من الرحمة أمر مقطوع به، ثم استعملت "إن" والمضارع: {تُصِبْهُمْ}، ونكرت السيئة {تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}؛ لإفادة أن إصابة السيئة لهم أمر غير مقطوع به، فالله -عز وجل- لا يؤاخذهم بما كسبوا بل يعفو عن كثير: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (فاطر: 45).
وتأمل معي قول الله تعالى: {إِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الروم:33، 34)، وتأمل مع ذلك قوله -عز وجل-: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} (فصلت: 51) تجد أن قوله -عز من قائل-: {أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً}، {أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ} مقطوع بوقوعه، وهذا واضح كما بينا في الآيتين السابقتين؛ ولذا استعملت إذا في الموضعين، أما قوله تعالى:، {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} (المعارج: 20). قد يلتبس عليك التعليق بـ"إذا" فيهما، وتقول: إن مس الضر أو الشر ينبغي أن