وقول ابن الرومي:
وكالنار الحياة فمن رماد ... أواخرها وأولها دخان
فتقديم المسند في هذه الشواهد وفيما جاء على شاكلتها أفاد التشويق إلى معرفة المسند إليه، والإفصاح عنه. ولا يخفى عليك القصر في البيت الأخير، أي: قصر الحياة على كونها نارًا لا استقرارَ فيها. ويفيد تقديم المسند أيضًا إشاعة روح التفاؤل كما في قول الشاعر:
سعدت بغرة وجهك الأيام ... وتزينت ببقائك الأعوام
فالمسند، وهو الفعل سعدت، قد قدم ليفيد التفاؤل؛ لأنه من جنس السرور والسعادة، وكذلك تزينت، قدم على المسند إليه، والأعوام لنفس الغرض.
ومن أسرار تقديم المسند: إظهار التألم والتضجر. كما في قول المتنبي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًا له ما من صداقته بُد
إلى غير ذلك من الأغراض التي تقتضي تقديم المسند على المسند إليه.
ومن المباحث التي من المهم أن نعرض لها ونحن نذكر أحوال المسند: إتيانه مفردًا أحيانًا، وجملةً أحيانًا أخرى، وإيراده فعلًا أحيانًا، واسمًا أحيانًا أخرى.
فالمسند يرد مفردًا في نحو: محمد عالم، وزيد كريم. لمجرد الإخبار عن المسند إليه قد يرد جملة بها ضمير يعود إلى المبتدأ، وهذا الضمير ليس مسندًا إليه، نحو: محمد أبوه عالم، علي أجداده ملوك، وهذا المسند يسميه البلاغيون مسندًا سببيًا، أي: أن المسند إليه بسبب من المسند، ومرتبط به بروابط قوية.