الأول: أنه يجوز تقدير كون المسند إليه في الأصل مؤخرًا على أنه فاعل معنى فقط لا لفظًا ومعنًى؛ ذلك أنه عند التأخير يعرب توكيدًا للفاعل الاصطلاحي؛ أو بدلًا منه، نحو: أنا قمت، فإنه يجوز أن يكون أصله: قمت أنا، فيكون أنا توكيدًا أو بدلًا من الضمير في قمت الذي هو الفاعل، والتوكيد والبدل كلاهما فاعل في المعنى إذا كان المبدل فاعلًا اصطلاحيًّا كما هنا.
الشرط الثاني: أن يقدر كونه كذلك؛ أي: أن يعتبر المتكلم المسند إليه مؤخرًا على أنه فاعل في المعنى قبل النطق به، ثم يقدمه عند التلفظ قاصدًا التخصيص، وعند انتفاء الشرط الأول بأن كان المسند إليه اسمًا ظاهرًا كقولنا: محمد قام لا يفيد التقديم إلا تقوية الحكم؛ لأننا لو قدرنا أن لفظ محمد مؤخر في الأصل، وأن الكلام قام محمد لكان فاعلًا في اللفظ والمعنى لا في المعنى فقط كما يريد السكاكي، والأمر كذلك حين ينتفي الشرط الثاني بأن قدر الكلام في مثل: أنا قمت، على الابتداء من أول الأمر بدون تقدير تقديم أو تأخير؛ فإن التقديم حينئذٍ لا يفيد إلا التقوي، ومثل ذلك: ما أنا قمت وما زيد قام، وقياسًا على الاسم المعرفة المظهر بحيث انتفاء الشرط الأول فيه يكون حال المسند إليه النكرة في نحو: رجل جاءني، أنه لا يفيد التخصيص؛ إذ لا يجوز تقدير كونه في الأصل مؤخرًا على أنه فاعل في المعنى؛ لأنك إذا قلت: جاءني رجل، فهو فاعل لفظًا ومعنًى مثل: قام محمد، فيجب ألا يفيد إلا التقوي.
لكن السكاكي استثنى مثل هذا التركيب فجعله مفيدًا للتخصيص قطعًا، واعتبر وجود شرطي التخصيص فيه وقدر جوازًا أن أصل: رجل جاءني، جاءني رجل، على أن يكون رجل بدلًا من الضمير المستتر في الفعل؛ ليكون فاعلًا في