الدهشة والاستغراب، ويجعل النفس متطلعة إلى سماع الخبر حتى إذا سمعته تمكن منها أي تمكن؛ كما في قول أبي العلاء المعري:
والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد
وقدم المسند إليه وهو الذي؛ لأن فيه تشويقًا إلى الخبر؛ إذ قد اتصل به ما يدعو إلى الدهشة وهو قوله: حارت البرية فيه، ومثل هذا الأمر الغريب يثير في النفس عواملَ الشوق إلى معرفة ذلك الذي أوقف البرية كلها موقفَ الحائر المدهوش، فإذا ذكر تمكن منها فضلَ تمكن ٍ، ورسخ رسوخًا لا يرقى إليه شك، ومنه قول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
فق د قدم المسند إليه وهو ثلاثة؛ لأن فيه ما يشوق النفس إلى الخبر لاتصافه بما يدعو إلى الاستغراب والعجب؛ وهو قوله: تشرق الدنيا ببهجتها؛ فإن إشراق الدنيا كلها مما يدفع النفس إلى أن تعرف ذلك الذي جعلها تتألق وتضيء، فإذا عرفت ذلك تمكن منها واستقر، وهكذا يقدم المتكلم المسند إليه إذا أراد تمكن الخبر في ذهن السامع، بشرط أن يكون في المقدم ما يشوق إلى معرفة المؤخر، كما يقدم المتكلم المسند إليه لإرادة المبادرة بإدخال السرور على قلب السامع؛ ليتفاءل من حصول الخبر أو لإرادة المسارعة بإدخال ما يسوء على قلبه ليتطير بحصول الشر؛ لأن السامع كما جرت العادة يتفاءل أو يتشاءم غالبًا بأول ما يقرع سمعه من الكلام، وهذا فيما إذا كان لفظ المسند إليه مشعرًا بما يُتفاءل به أو بما يتشاءم منه.