وتقول: جاء زيد فعمرو، فتفيد تفصيل المسند وهو المجيء مع الإيجاز والإنباء بالتعقيب؛ إذ المراد جاء زيد وجاء عمرو بعده مباشرة، وتقول: جاء زيد ثم عمرو، فتومئ إلى ما بين المجيئين من تراخ بالإضافة إلى إفادة التفصيل والإيجاز، وكذا تقول: اشتدت العاصفة ثم هدأت، مشيرًا بالحرف ثم إلى امتدادها، وأنها لم تكن إلا بعد زمن طويل، وقد تريد التدرج بالمعاني علوًّا أو دنوًّا، فتستعمل حتى في عطف تلك المعاني. انظر مثلًا إلى قول الشاعر:
قهرناكم حتى الكُماة فأنتم ... تهابوننا حتى بنينا الأصاغر
حيث ارتفع بقهرهم إلى أعلاهم حتى الكماة، ثم انخفضت بهيبتهم إلى ما لا يخيف: حتى بنينا الأصاغر، وهذا معنى جميل وتموج رائع؛ إذ بدأ بالأدنى مرتفعًا بالقهر حتى انحدر بالإخافة منتهيًا إلى أدنى ما يمكن أن يخيف.
وقد يلجأ البلاغي إلى عطف النسق؛ ليرد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب بأخصر طريق فيقول مثلًا: جاء زيد لا عمرو لمن اعتقد أنهما جاءا معًا، أو أن الذي جاء عمرو دون زيد، وكذا تقول: ما جاء زيد لكن عمرو وما جاء زيد بل عمرو، لمن اعتقد مجيئهما معًا أو مجيء زيد دون عمرو.
وقد يُراد بالعطف التشكيك كما في قول الشاعر:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
فقد عطف بأو ليشكك السامع وعندئذ ينظر في أمره ويتأمل حتى يصل إلى الخبر اليقين، ويعرف أفاجر الشاعر أم تقي.
وقد يراد به الإبهام استمالةً للمخاطب؛ وترغيبًا له في الحق والاهتداء كما في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سبأ: 24)