فقد نكر كلمة الدهر ليشعر أنه دهر منكر مجهول، وليس هو الدهر الذي عهده أيام نعمته وولايته على الأهواز، كما نكر صاحب للتحقير وقال: أ ُ نكر بالبناء للمجهول، ولم يقل: أنكرت صاحبًا حتى لا يسند إنكار الصاحب إلى نفسه صريحًا في اللفظ، وإن كان هذا الصاحب صاحبًا حقيرًا لئيمًا، ونكَّر أيضًا أعداء في قوله: وسلط أعداء، لبيان أن هؤلاء قد أصبحوا أداةً في أيدي غيرهم، فهم لا يستطيعون عداوتي إلا إذا دُفِعوا إليها من مجهول ساقط.
هذا؛ وقد اجتمع التعظيم والتحقير في قول الشاعر:
ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو مني والخلاعة جانب
يريد الشاعر أن يقول: إن الجانب الأكبر من تفكيره وعلمه مبذول في طاعة الله ومرضاته، أما اللهو والعبث فلهما مني الجانب الأدنى؛ ولذلك نكَّر الجانب الخاص بالله لتعظيمه في الشطر الأول من البيت، ونكر الجانب الآخر لتحقيره في الشطر الأخير من نفس البيت، ومثله قول الآخر:
فتًى لا يبالي المدلجون بناره ... إلى بابه ألا تضيء الكواكب
يصم عن الفحشاء حتى كأنه ... إذا ذكرت في مجلس القوم غائب
له حاجب عن كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب
فإنك ترى كلمة حاجب في البيت الأخير وقعت مسندًا إليه وتكررت منكرةً في شطري البيت، وتنكيرها في الشطر الأول للتعظيم، وفي الشطر الثاني للتحقير والتقليل، وبذلك اجتمع التعظيم والتحقير في بيت واحد، فالشاعر يريد أن يصف ممدوحه بالنزاهة والطهر، وأنه بلغ منهما مبلغًا بحيث لو هم بفعل ما يشين حال دون ذلك مانع حصين وحاجب عظيم، ومع ذلك فممدوح هـ مَحط رجال قاصديه من ذوي الحاجات، لا يحول بينهم وبينه أدنى حاجة، والذي يدل على إرادة التعظيم أولًا والتحقير ثانيًا أن المقام مقام مدح وتنويه بنبالة الممدوح وكرمه.