ويصح أن يكون لتعريف المسند إليه بالموصولية سر بلاغي آخر، وتقرير المسند إليه نفسه الذي هو امرأة العزيز المعبر عنه في الآية باسم الموصول التي، وأنها هي بذاتها التي راودته لا امراة أخرى؛ إذ لو قيل: وراودته زليخا، لم يعلم يقينًا أنها المرأة التي هو في بيتها بخلاف التعبير بالموصول، فإنه لا احتمال فيه؛ لأنه معلوم من الخارج أن التي هو في بيتها إنما هي زليخا امرأة العزيز لا غير.

هذا؛ ويصح أن يكون الغرض للتعبير بالموصول أيضًا استهجان التصريح بالاسم إما لأن العادة جرت على استهجان التصريح بأسماء النساء، وإما لشناعة الفعل المنسوب إليها؛ لأن مَن تقبل على فعل الفاحشة تنفر منها النفوس السليمة، وتأبَى نسبتها إلى زوجها، لا سيما مع كونه من ذوي المكانة والخطر في المجتمع.

ومن الأغراض البلاغية التي تقتضي تعريف المسند إليه بالموصولية: التفخيم والتهويل؛ فإن قصد تفخيم المسند إليه وتهويل أمره يمكن أن يُفاد من الموصولية؛ لما في بعض أسماء الموصول من إبهام وغموض يشعر بالتفخيم والتهويل؛ كما في قول الله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} (طه: 78) أي: غمرهم ماء غزير لا يدركه وهم ولا يحده وصف. وكقوله سبحانه: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} (النجم: 16) أي: يغشاها أمور عظيمة الله وحده بها عليم.

ومن أجل تحقيق هذا المعنى عبر في الآيتين بـ"ما" الموصولية؛ لأن في إبهامها تفخيمًا وتهويلًا لا يفي به التصريح فيما لو قيل: غشيهم من اليم مقدار كذا، أو إذ يغشى السدرة أشياء كثيرة مثل كذا؛ لأن في الموصول إشارةً إلى أن تفصيل المسند إليه وبيانه مما لا تفي به عبارة ولا يحيط به عقل مخلوق، ولله در الإمام الزمخشري حين قال معقبًا على قول الله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015