التعظيم أن العظيم عادة بعيد المنزلة عالي المكانة، وينزل البعد المعنوي هذا منزلة البعد الحسي الموضوع له اسم الإشارة؛ ولذلك يعبر عنه باسم الإشارة الموضوع للبعيد بعدًا حسيًّا، فيفيد البعد المعنوي المشعر بالتعظيم.
هذا؛ وكما يعرف المسند إليه بالإشارة للبعيد لقصد التعظيم يعرف بها أيضًا لقصد التحقير تنزيلًا لبعده عن ساعة الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة؛ فيعرف حينئذٍ بالإشارة من بعيد للدلالة على معنى التحقير، خذ مثلًا في ذلك قول الله تعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (الماعون:2، 3) وكما تقول لشخص يحضر مجلسك: ذلك الرجل وشَى بي عند الأمير، ووجه الدلالة هنا على التحقير أن الحقير عادة تنفر منه النفس، وهو بعيد عن القلب والخاطر لا يلتفت إليه لحقارته، فينزل هذا البعد المعنوي منزلةَ البعد الحسي الموضوع له اسم الإشارة، ولذلك يشار إليه بما يشار به إلى البعيد حسًّا؛ فتفيد الإشارة البعد المعنوي المشعر هنا بالتحقير.
ومن هذا القبيل قوله تعالى في شأن الناس يوم البعث بعد النفخ في الصور: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (المؤمنون: 102، 103) حيث نرى الإشارة إلى البعيد في الآية الأولى أفاد للتعظيم، وهي بعينها في الآية الثانية أفادت التحقير، لكن باعتبارين مختلفين، وفي ذلك يقول الخطيب القزويني في (الإيضاح) مع البغية: وربما جُعل البعد ذريعة إلى التعظيم كقوله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} (البقرة: 1، 2) ذهابًا إلى بعد درجته ونحوه: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} (الزخرف: 72) ولذا قالت: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} ولم تقل: فهذا وهو حاضر؛ رفعًا لمنزلته في الحسن، وتمهيدًا للعذر في الافتتان به، وقد يجعل ذريعة إلى التحقير كما يقال: ذلك اللعين فعل كذا.