ومثل ذلك قول الآخر:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر
فالذكر هنا لغرض التلذذ، وأيضًا مثل التلذذ ق صد التيمن والتبرك؛ إذ أن المتكلم في ذكره المسند إليه راعى حال نفسه أيضًا مستجيبًا لما يشعر به تجاه مدلول لفظ المسند إليه كما في قولك مثلًا: نبينا - صلى الله عليه وسلم - قائل هذا القول، جوابًا لِمَن سألك: هل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا؟ فتذكره؛ تيمنًا وتبركًا بذكر اسمه، كقولك أيضًا لمن سألك قائلًا: هل الله يرضَى هذا؟ فتقول: الله يرضاه.
هذا؛ وكما يكون المقتضي بذكر المسند إليه زيادة إيضاحه وتقريره، يكون كذلك الداعي للذكر الإيضاح والتقرير بالمعاني المنسوبة إلى المسند إليه والأحكام المحكوم بها عليه، وإنما يعمد البليغ إلى ذكر المسند إليه ليبرز هذه الأحكام والمعاني في صورة بينة واضحة مؤكدة، ويكون السر الإيضاح والتقرير بدون إضافة كلمة زيادة، فترى هذا السر بذكر المسند إليه ماثلًا في قول ابن الدمينة يخاطب صاحبته أميمة، معارضًا لها حين عاتبته بقولها:
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي مَن كان فيك يلوم
وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضًا أرمى وأنت سليم
فلو أن قولًا يكلم الجسم قد بَدَا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم
فقد قال في جوابها:
وأنت التي قطعت قلبي حزازة ... وفرقت قرح القلب فهو كليم
وأنت التي كلفتني دلج السرى ... وجون القطر بالجهلتين جثوم
وأنت التي أحفظت قومي فكلهم ... بعيد الرضا داني الصدود كظيم
حيث ذكر الشاعر ضمير صاحبته المسند إليه في كل بيت مسندًا إليها هذه الأخبار التي بدت بذكر المسند إليه في صورة واضحة مؤكدة، وحققت في الوقت نفسه ما أراده من العتاب والتثريب.