ومتى وصفنا بالمجاز الجملة من الكلام كان مجازًا من طريق المعقول دون اللغة؛ لأن الأوصاف الراجعة إلى الجمل من حيث هي جمل لا يصح ردُّها إلى اللغة؛ لأن التأليف هو إسناد فعل إلى اسم أو اسم إلى اسم، وذلك شيء يحصل بقصد المتكلم فلا يصير "ضرب" خبرًا عن زيد بوضع اللغة، بل بمن قصد إثباتَ الضربِ فعلًا له. والذي يعود إلى واضع اللغة أن ضرب لإثبات الضرب وليس لإثبات الخروج، وأنه لإثباته في زمان ماضٍ وليس لإثباته في زمان مستقبل، فأما تعيين مَن يثبت له فيتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين والمعبرين عن ودائع الصدور، فإذا قلنا: فأما تعيين من يثبت له فيتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين والمعبرين عن ودائع الصدور.
فإذا قلنا مثلًا: خط أحسن مما وشاه الربيع أو صنعه الربيع، كنا قد ادعينا في ظاهر اللفظ أن للربيع فعلًا أو صنعًا، وأنه شارك الحي القادر في صحة وقوع الفعل منه، وذلك تجوز به من حيث المعقول لا من حيث اللغة؛ لأنه إن قلنا: إنه مجاز من حيث اللغة صرنا كأنا نقول: إن اللغة هي التي أوجبت أن يقتص الفعل بالحي القادر دون الجماد وذلك محال.
انتهى من كلام الشيخ عبد القادر في (أسرار البلاغة).
ويضيف عبد القاهر قاعدةً يمكن التفريق بها بين النوعين، وذلك بالرجوع إلى الحقيقة في هذا المجاز وذاك؛ لنعرف طريقها من اللغة أو العقل، فالمجاز في حقيقة اللغة هو فرع عنه ا، فما كان طريقًا في أحدهما من لغة أو عقل فهو طريق في الآخر، والحقيقة اللغوية طريقها اللغة كما نرى في الأسد حين نستعمله في الحيوان المفترس، وعلى ذلك فالمجاز اللغوي طريقه اللغة أيضًا حين إطلاق الأسد على الشجاع الذي يشبهه، والحقيقة العقلية طريقها العقل؛ لإثبات الفعل أو معنى إلى