سبب له فقط، ومن ذلك أيضًا قولك: طريق سائر ونهر جار، فالسير والجري من الحركات التي لا تكون في مثل الطريق والنهر، فلا بد من حمل الكلام على التجوز في الإسناد.

ب- استحالة قيام المسند بالمسند إليه عادةً كقولك: بنَى عمرو بن العاص مدينةَ الفسطاط، فإن العادة هي التي تمنع صدور الفعل وهو البناء من الأمير وإن كان ذلك ممكنًا من جهة العقل، إذ العقل يجوز أن يبني الأمير بنفسه؛ فالاستحالة هنا من جهة العادة والعرف.

ج- صدور الكلام من الموحد، وذلك كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم: ((وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبَطًا أو يلم)) حبطًا يعني: انتفاخًا، يلم يعني: يقارب، فهذا الكلام صادر من سيد الموحدين - صلى الله عليه وسلم- وصدوره منه قرينة على أنه لا يريد بإسناد الإنبات إلى الربيع ظاهره، والذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، وإنما هو إسناد مجازي من إسناد الفعل إلى زمانه، والفاعل الحقيقي للإنبات هو الله -سبحانه وتعالى- فعقيدة المسلم التي تنسب الأفعال إلى الله وحده قرينةٌ على المجاز في مثل هذا، ولذلك إذا كان المتكلم من الدهريين الذين يعتقدون بتأثير الدهر ويقول ون كما يحكي القرآن عنهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (الجاثية: 24) فإن كلامه يكون من قبيل الحقيقة العقلية حيث لا قرينةَ تصرفه عن ظاهره.

وقد تحدث الإمام عبد القاهر عن قرينة المجاز العقلي ودورها في منع اللبس وتحديد مراد المتكلم، وكان كلامه في هذا الموضع مادة لمن جاء بعده من المتأخرين، يقول الإمام عبد القاهر في (أسرار البلاغة): واعلم أنه لا يجوز الحكم على الجملة بأنها مجاز إلا بأحد أمرين؛ فإما أن يكون الشيء الذي أثبت له الفعل مما لا يدعي أحد من المحقين والمبطلين أنه مما يصح أن يكون له تأثير في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015