الإسناد بنى العمال المدينة بأمر الأمير، فأسند الفعل إلى سببه الآمر. وقد يسند الفعل إلى السبب المؤثر كما في قول عمر بن أبي ربيعة:
أبَى لي عرض أن أضام وصارم ... حسام وعز من حديث وأول
مقيم بإذن الله ليس ببارح ... مكان الثريا قاهر كل منزل
وأصل الإسناد: أبت لي نفس أن أضام بسبب عرضي وبسبب صارمي الحسام، وعِزي الحديث، والأول المقيم في مكان الثريا، فحوَّل الإسناد إلى السبب -كما ترى- في البيت الأول وهو سبب مؤثر؛ أي: دافع ومحرك للنفس وحافز لها كي ترفض الذل وتأبى الضيم ولا ترضى بالهوان، فالشاعر هنا قد نظر إلى ماضيه وحاضره فوجد أنه أرفع مقامًا وأعلى شأنًا وأكرم نفسًا من أن يلحقه أذى أو يقع به ضيم أو هوان، وهو يملك القدرة على دفع الضيم ورد الأذى عن نفسه وعشيرته، ولا يخفَى عليك أن الإسناد إلى السبب فيه قدر من المبالغة التي يقتضيها المقام، فالإسناد المجازي هنا أبلغ من الأسلوب الحقيقي؛ لمطابقته لمقتضى الحديث.
ومن ذلك قول عوف بن الأحوص:
فلا تسأليني واسألي عن خليقتي ... إذا رد عافي القدر من يستعيرها
وعافِي القدر ما يبقى فيها من المرق، وهو في زمن الجدب سبب لرد مستعيرها، إذ الحاجة ماسة إليه فلا يفرط فيه صاحب القدر، لكن الشاعر ينوه بكرمه الشديد في تلك الظروف، فهو كريم النفس يجود بالكثير في الوقت الذي يضن فيه غيره ببقية المرق ونحوه في القدر، والشاهد في قوله: إذا رد عافي القدر مَن يستعيرها، فهو إسناد مجازي وحقيقته إذا رد صاحب القدر من يستعيرها بسبب عافيها، ثم أسند الفعل "رد" إلى سببه وهو عافي القدر، فهو مجاز عقلي علاقته السببية.