أضِف إلى ذلك أن المجاز لا بد له من قرينة صارفة عن إرادة ظاهر الإسناد، وقد أشار إليها بقوله: بتؤول؛ لأن التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى غيره، وبدون القرينة يبقى الإسناد على ظاهره فيكون من قبيل الحقيقة؛ ففي قول المؤمن: أنبت الربيع البقل، أسند الإنبات إلى الربيع، وفاعل الإنبات الحقيقي هو الله -سبحانه وتعالى- والربيع زمن للفعل؛ ففي إسناد الإنبات للربيع إسناد إلى غير ما هو له، فهو مجاز عقلي علاقته الزمانية، والقرينة التي تصرف عن إرادة ظاهر الإسناد هي حالُ المتكلم نفسه.
وفي قول الملحد: أنبت الربيعُ البقلَ، أسند الفعل إلى الربيع، هو يعتقد أن الربيع هو الفاعل الحقيقي وهو غير متؤول، وعلى ذلك يكون الإسناد على حقيقته؛ فاشتراط التؤول في الإسناد المجازي يُخرج نحو قول الدهريين: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}؛ لأن إسناد الفعل يهلك يوافق اعتقادهم، فلا تأويل فيه فهو حقيقة عقلية عند هؤلاء الملحدين، كما يخرج الأقوال الكاذبة أيضًا إذ لا تؤول فيها؛ أي: لا قرينة؛ لأن الكاذب لا ينصف قرينة صارفة عن إرادة الظاهر من الكلام.
وعلى ذلك فالمجاز العقلي لا بد له من علاقة مصححة للإسناد وهي ما تسمى ملابسة، ولا بد له من قرينة صارفة عن إرادة الإسناد الحقيقي شأنُه في ذلك شأن غيره من المجازات، ف العلاقة هي التي تصحح الإسناد، إذ لا يصح أن نسند الفعل إلى فاعل لا تربطه بالفعل صلة ولا تجمعه به علاقة.
والقرينة هي التي تدل على مراد المتكلم، وبدونها يصبح الكلام إلغازًا، ويبقى المعنى في بطن الشاعر كما يقولون؛ إذ لا دليل يفصح عن المراد من حقيقة أو مجاز.