المثال الثاني: قول المتنبي يذكر الواقعة التي وقعت بين سيف الدّولة والرّوم في جمادى الأولى سنة (339هـ) :
حَتَّى أَقَامَ عَلَى أَرْبَاضِ خَرْشَنَةٍ ... تَشْقَى بِهِ الرُّومُ والصُّلْبَانُ والْبِيَعُ
للسَّبْيِ مَا نَكَحُوا والْقَتْلِ مَا وَلَدُوا ... وَالنَّهْبِ مَا جَمَعُوا وَالنَّارِ مَا زَرَعُوا
عَلَى أَرْباضِ خَرْشَنَةٍ: أَرْبَاض: جَمْعُ "رَبَض" والرَّبضُ ما حول المدينةِ من العمارة. وخَرْشَنَة: اسم بلَدٍ من بلاد الرُّوم.
البِيَعُ: جَمْعُ "البِيعَة" وهي معْبَدُ النصارى.
جاء الجمع في البيت الأول ببيان شقاء الرّوم بإقامة سيف الدولة وجيشه على أرباض "خَرْشَنَة".
وجاء التقسيم في البيت الثاني ببيان أنّ نساءهم للسَّبْي، ورجالَهم للقتل، وأموالهم المنقولة للنّهب، وما زَرَعُوا للنار تأكُلُها.
المثال الثالث: قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا ضَرَّوا عَدُوّهُمُ ... أَوْ حَاوَلُوا النَّفْع في أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إِنَّ الْخَلاَئِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ
جاء في البيت الأول تَقْسيمُ صفات من يمدحهم حسان، فهم بالنسبة إلى عدُوّهم يضرّونَهُم إذا حاربوهم، وبالنسبة إلى أشياعهم ينفعونَهُمْ إذا حاولوا نفعهم.
وجاء في البيت الثاني جمع الْوَصْفَيْن بأنَّهما سجيَّةٌ ثابتة من سجاياهم الأصلية غير المتكلَّفة تكلُّفاً مصطنعاً لأمر عارض، إذ هو يرى أن الخلائق المبتدعة المحدَثة التي لا تكون ثمرة سجايا ثابتة هي شرّ الخلائق، إذ تكون مدفوعة بأغرَاضٍ غير شريفة، ومنها النفاق.
***