{لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف الخبير} [الآية: 103] .
فقوله تعالى: {وَهُوَ اللطيف الخبير} الذي هو ختام الآية يُلاَئِمُ ما جاء قبله، إذْ كلمة "اللّطِيف" تُلائم وصْفَهُ تعالى بأنّه لا تُدْركُه الأبصار، وكلمة "الخبير تُلائم وصفه بأنّه يُدْرِك الأبصار جميعها.
وألْحَقَ البلاغيون بمراعاة النظير ما فيه إيهام التناسب، كأن يكون اللّفظ مشتركاً بين معنيين: أَحَدُهُما يُنَاسب ما جاء في الكلام من معاني إلاَّ أنّه غير مراد، والآخر لا يناسِبُ وهو المراد.
وضربوا مثلاً لما فيه إيهام التناسب قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الرحمن/ 55 مصحف/ 97 نزول) :
{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ * والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} [الآيات: 5 - 6] .
إنّ كلمة "النجم" تأتي بمعنى الأَجْرَام المضيئة في السماء، وهذا المعنى يُلائم ويُنَاسب كلمتي الشمس والقمر، فهما جرمان أحدهما مُضِيء، والآخر مُنير، لكن هذا المعنى للنجم غير مراد النَّصّ، فكان استخدامه من إيهام التناسب، إذْ كان يمكن استخدام كلمة أخرى تؤدّي المعنى المراد دون أن يكون فيها إيهام التناسب، ككلمة "النبت".
وتأتي كلمة "النَّجْم" بمعنى النبات الذي لا ساق له، يقال لغة: نَجَمَ الشيءُ والنباتُ نجماً ونجوماً إذا طلَع وظهر، وهذا المعنى يناسب معنى كلمة الشجر.
فناسبت كلمة "النجم" بمعناها غير المراد ما سبقها، وهما الشمس والقمر، وناسبت بمعناها المراد ما جاء بعدها وهو الشجر، وهذا فنٌ بديع، تنبّه له البلاغيُّون فألحقوه بمراعاة النظير على اعتبار أنّ فيه إيهامَ التناسب.