العذاب، أو بالتأخير والانتظار، أو بالغفران، وهؤلاء فيما ظهر لي هم من عُصَاة المؤمنين، الذين لم يتجاوز الله في محكمة العدل العامّة عن معاصيهم.
هؤلاء أصْحَابُ الأعراف يَبْدُو لهم أن يَتَقَرَّبُوا إلى أصْحابِ الجنّة، الذينَ هُمْ على الجانب الأيْمَنِ من الحجاب، بالسَّلامِ عَلَيْهِمْ، فقال الله عزّ وجلّ بشأنهم:
{ ... وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ... } [الآية: 46] .
ولم يذكُرِ القرآنُ رَدَّ أصْحَاب الجنَّة، ولعلَّهم لا يَرُدّونَ تحفُّظاً، ومخافة أن يكونَ هؤلاء الْمُسَلِّمُونَ منْ أهل النّار الذين لا يجوز الرّدُّ عليهم بالسَّلام، إذ الرّدّ عليهم بالسّلام دعاءٌ لهم.
بَعْدَ هذا أَدْخَلَ الْبَيَانُ جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً تتعَلَّقُ بأصْحابِ الجنّة، فقال الله عزّ وجلّ:
{ ... لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الآية: 46] .
أي: لَمْ يَدْخُلْ بَعْدَ أصْحابُ الجنّةِ الجنَّة، لكنَّهُمْ في حالَةِ طَمَعٍ مُتَجَدّدٍ بأَنْ يصْدُرَ أمْر تكريمِهِمْ بأنْ يَدْخُلُوا الجنَّة، لاَ أنَّهُم يَطْمَعُون بأن يُقْضَى لهم بدخول الجنّة، فهذا الأمْرُ قَدْ قُضِي الْحُكْمُ به سابقاً في محكمة العدل الرّبّانية، فهم أصحابُ الجنّة، وتذاكِرُ الدُّخولِ في أيديهم، إنّما طَمَعُهُمْ هُو طَمَع مُتَرقِّبِ إعْلاَنِ مُبَاشَرَةِ الدُّخول، كَمُنْتَظِرِي النداء بدخول بوّابَةِ الْعُبور إلى الطائرة، في الصّالة الدّاخليّة، بعْدَ استكمال كُلّ شروطِ الدُّخول ولوازمه.
بعْدَ هذهِ المعترضَةِ تَابَعَ النّصُّ عرْضَ لقطاتٍ من الْمَشْهَدِ تتعلْقُ بأصْحَاب الأعراف، فقال الله عزّ وجلّ:
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} [الآية: 47] .
هذا الدّاء يُناسِبُ أنْ يدعُوَ به مُشْفِقٌ خائف من العذاب، ينْظُرُ إلى سوابقِ