فمن أمثلة المسايرة الحلوة لتداعي الأفكار قول الله تعالى في سورة (فاطر/ 35 مصحف/ 43 نزول) :
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [الآيات: 27 - 28] .
إنّ الحديث عن اختلاف الألوان في الثمرات يستدعي في الأفكار تصوّر اختلاف الألوان في الجبال، لأنَّها هي التي تبرز في اللّوحة الفنيّة أوّلاً بعد النّظر إلى الثمار في أشجارها، فيخطر اللّون الأبيض منها على اختلاف درجاته، فالأحمر على اختلاف درجاته، ثمَّ الأسود، ثمّ ينتقل الذهن بالتداعي الفكري إلى الألوان في الدوابّ والأنعام. هذا هو الأمر الغالب بالنسبة إلى واقع أحوال النَّاس.
ولا يخفى أنّ متابعة الأفكار في تداعيها الذاتي كثيراً ما يكون مريحاً للنُّفوس، ومُعْجباً لها، فهو إذن من عناصر الجمال الأدبي، إذا استوفى شروطه، وخلا من المنفِّرات أو المزعجات، ولم يَطُلْ حتى يُحْدِثَ الْمَلَلَ والسّأَم.
ومن الأمثلة أيضاً: قول الله تعالى في سورة (الغاشية/ 88 مصحف/ 68 نزول) :
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ * وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ} [الآيات: 17 - 20] .
ففي هذه الآيات تصوير للوحة فنّية متحرِّكة، تبدو بالتتابع كما هي في النَّص، بالنسبة إلى الناظر الجالس في الصحراء، إذا مرّت بعيداً عنه قافلة من الإِبل.
إنّ أوّل ما يلفت نظره لدى مشاهدة هذه اللّوحة من مشاهد الطبيعة، أنْ يتركَّز انتباهه في مشاهدة قافلة الإِبل، وتكون القافلة بالنسبة إليه هي بؤرة المشهد، لأنَّها