وذلك لأنَّ الأضداد سريعة التخاطر في الأذهان، فإيرادها قد يُحْدِثُ ارتياحاً جماليّاً في النَّفس.

وفي الصُّوَر الحِسِّية مِشَاهِدُ للتضاد أمثال ذلك، فمن المشاهد الحسِّيَّة الجميلة مشهد جبل أجرد إلى جانب وادٍ أخضر فيه جنّات ألفاف. ومشهد قصر راسخ ثابت البنيان ضمن عاصفة هوجاء تقتلع ما على الأرض من أشجار وأكواخ وأشياء كثيرة. ومشهد سفينة ثابتة كالطُّوْد في خِضمّ بحرٍ هائج وعاصفة بحريّة ثائرة. ومشهد وجه منير كالبدر ضمن شعر منسابٍ كالليل.

والحسّ الذوّاق للجمال يتحكّم بإدراك التناسق أو التنافر في الصورة التي تجمع بين المتضادّات، إذ ليس كلّ جمع بين المتضادّات يُحْدِثُ هذا الارتياح النَّفسي.

فمثلاً: لا ترتاح النُّفوس لدى ذكر ما يثير تقزّزها ونفورها، وإن كان ذلك مقابل ذكر ضدّه أو نقيضه، إنّ ذكر المُحْزِنات لدى ذكر المُفْرِحات أمرٌ مستنكر تنفر منه الطباع، ما لم يكن عَرْضاً لمبادىء عامّة لها طابع التأمّل الفلسفي، وإنّ ذكر المستقذرات في مقابل الطيِّبات أمرٌ مستهجن تنفر منه النُّفوس ولا ترتاح له. وهكذا.

فمن أمثلة المزدان بعنصر الجمع بين الأضداد الذي يُحدث إعجاباً وارتياحاً في النفُّوس، ولا يُحدث نفوراً ولا انزعاجاً ولا تقزّزاً، مايلي:

(1) قول الله تعالى في سورة (النجم/ 53 مصحف/ 23 نزول) :

{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} [الآيات: 43 - 45] .

(2) وقول الله تعالى في سورة (الحج/ 22 مصحف/ 103 نزول) :

{وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} [الآيات: 3 - 4] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015