ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] إنَّ الصورة البلاغيّة في النَّص تتلخَّص بإسناد السيلان إلى الوادي، مع أنّ المراد سيلان الماء فيه. فهل انتهينا من البحث.

إنَّ الذي يملك الحسَّ الأدبي الرفيع يقول: لا. لأنَّه يتساءل: ولماذا أسند السيلان إلى الوادي بدل إسناده إلى الماء؟ وما الدَّاعي إلى ذلك وما هو الغرض منه؟.

وبالتأمّل يجد الجواب على تساؤله، إذ يرى أنَّ الغرض الفكري البياني من هذا الإِسناد هو إعطاء السامع أو القارىء صورة تُشْعِرُ على سبيل التخيّل بأنَّ الوادي يسيل فعلاًَ لكثرة تدفّق الماء وارتفاع نسبته في جانبي الوادي.

وهذه الصورة قد تحدث في وهم الإِنسان أو في تخيّلاته حينما يشاهد هدير الماء الكثير الذي يغمر قدراً كبيراً من الوادي.

فالتعبير إذن تصوير صادق لما يَجْرِي في التخيُّل لدى مشاهدة الحدث المادي.

إذن ينبغي للأديب أن يراعي ذلك في كلامه، وعليه أن يلاحظ باستمرار أنّ كبار البلغاء حينما يعطفون في كلامهم عن مجراه إلى صُوَر بلاغيّة يختارونها إنَّما يفعلون ذلك لأغراض فكريَّة بيانيَّة يهدفون إليها، ولا يكتفون باختيار الصُّوَر البلاغيّة لمجرّد أنَّها صور بلاغيّة، وهذا ما يعطي كلامهم ارتقاء أدبياً عظمياً، وجمالاً مكثَّفاً مضاعفاً.

***

تاسعاً - الجمع بين الأشياء المتضادّة:

وقد يكون من عناصر الجمال الأدبي في الكلام الجمع بين الأشياء المتضادّة في صورة كلاميّة متناسقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015