(3) قول المتنبيّ من قصيدة يمدح بها "محمّد بْنَ سيَّار بْنِ مُكْرم التميمي، فيصف مسيره إليه، واستقبال ابْن سيّار له:
سَرَى السَّيْفُ مِمَّا تَطْبَعُ الْهِنْدُ صَاحِبِي ... إلَى السَّيْفِ مِمَّا يَطْبَعُ اللَّهُ لاَ الْهِنْدُ
فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلاً هَزَّ نَفْسَهُ ... إِلَيَّ حُسَامٌ كُلُّ صَفْحٍ لَه حَدُّ
فَلَمْ أَرَ قَبْلِي مَنْ مَشَى الْبَحْرُ نَحْوَهُ ... وَلاَ رَجُلاً قَامَتْ تُعَانِقُهُ الأُسْدُ
في هذه الأبيات عدّة استعارت تصريحية.
يقول في البيت الأول: سَرَى السّيْفُ ممَّا تَطْبَعُ الْهِنْدُ صَاحِبي، أي: حالة كونه صاحباً لي. فأخَذَ المتنبّي من حَدَثِ سُراهُ هو حاملاً سيفه الذي هو من صُنْع الهند، لقطةً تصويريَّةً عَبَّرَ فيها أنَّ سَيْفَهُ هُو الّذِي سَرَى إلى شبيهه الممدوح مصاحباً له، فَأَسْنَدَ السُّرَى إلى السيف على طريقة المجاز العقلي "وهو هنا إسناد الفعل إلى غير ما هو له لعلاقة المصاحبة" توطئة للاستعارة التصريحيَّة التي أطلق فيها لفظة "السيف" على ممدوحه ابْنِ سيّار، فقال: "إِلَى السَّيف" ودلَّ على أنه أراد "ابْنَ سيّار" قوله: "ممّا يَطْبَعُ اللَّهُ لاَ الهنْدُ".
وتابع يبني كلامه على اعتبار ممدوحه سيفاً، فقال: فَلَمَّا رَآنِيِ مُقْبلاً هَزَّ نَفْسَهُ إِلَيّ" فوصف حركة نهوضه وإقباله للاحتفاء بالمتنبّي بالسيف حين يهتزّ، فأطلق كلمة "هزَّ" على سبيل الاستعارة أيضاً بمعنى: تحرَّك يتلامع بإشراقه مقبلاً إلى زائره.
وتابع تأكيد أنه سيف توطئة لوصفه بأنّه ذو حدّين، إذا نظرت إلى أحد صَفْحَيْهِ رأيْتَ حدّاً، وإذا أدرتَهُ إلى الصَّفح الآخر وجَدْت حدّاً ثانياً، فقال: "حُسَامٌ كُلُّ صَفْحٍ لَهُ حَدُّ".
الصَّفْحُ: من السّيْف والْوَجْهِ عُرْضُه، ويجمع على صِفَاح وأصْفَاح.
وبعد هذا أطلق على ممدوحه "ابْن سيّار" على سبيل الاستعارة التصريحيَّة